الحج .. أم الحاجة ؟!
د. عمر القراي..
(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ* فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) صدق الله العظيم
الحج الى الاماكن المقدسة، فريضة قديمة، سابقة لأديان التوحيد، فقد كانت القبائل البدائية القديمة، تزور أماكن بعينها، تضع فيها الحجارة، والتمائم، تقيم فيها شعائرها، تزلفاً لآلهتها .. وفي مرحلة متقدمة من ترسيخ أديان التوحيد، أمر نبي الله ابراهيم الخليل، عليه السلام، أن يبني الكعبة الشريفة، كأول بيت وضع ليحج إليه الموحدون المسلمون .. قال تعالى (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ* وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ* رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ). ولما طال الامد بالناس، تنصلوا عن لباب الدين، وظلوا متمسكين بمظهره .. فتركوا التوحيد، ورجعوا الى سابق عهدهم من عبادة الاوثان، ولكنهم مع ذلك، إحتفظوا بالحج الى البيت الذي بناه ابراهيم .. فلقد كان العرب قبل الإسلام، في الجاهلية، يحجون الى بيت الله الحرام، وفوقه وحوله مئات الاصنام، يقربون إليها القرابين، ويتزلفون إليها، يدعونها، ويقبلونها، وينحرون لها الهدي، مما عندهم من بهيمة الانعام .. وكانوا يطوفون بالبيت العتيق عراة، وهم يصفقون، ويصفرون، قال تعالى عن ذلك (وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) .. وحين جاء الإسلام بالتوحيد بمستوى جديد، أبقى على شعيرة حج بيت الله الحرام، بعد أن طهرها من رجس الشرك، وهذبها من مفارقاته، وأعادها مرة اخرى الى ملة ابراهيم، قال تعالى (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) .. فوجه الدعاء والتلبية لله، بدلاً من الأصنام، وجعل نيّة النحر لله، وأبقى على تقسيمها على المحتاجين، وأبقى على الطواف بالبيت، وبدّل التصفيق والتصفير، بالتلبية والنداء لله، وأزال الحجارة التي كانت تقدس، وابدلها بالحجر الاسود، وهذه القرينة هي التي دعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ليقول وهو يقبل الحجر الاسود ( إني أعلم انك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك) !!
وحقيقة الحج، هي خروج العبد من بيته متجرداً الى الله من علائق الدنيا، فاراً إليه من كل دواعي الغفلة، مستحضراً له في الأماكن التي قدسها ووقرها.. ولهذا يحلق شعره، ويغتسل، ويلبس ما يشبه الكفن، وكأنه قد ترك الدنيا، واقبل على الآخرة .. فلا ينشغل بالملذات، ولا يخرج عن الطاعات، ولا يستمرئ مجرد الحديث والجدل إلا ما كان منه مفيداً قال تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) .. ولأن الحج قد قصد به التمثل بالآخرة، حيث لا ينشغل أحد بغير نفسه، فإن شعائره تتم باختلاط تام بين الرجال والنساء، رغم ان الشريعة قد حرمت الإختلاط !! والمقصود ان يتجرد الناس الى ربهم، فلا ينشغلوا بما يثير الشهوات، ويوقعهم في الغفلة، التي تسوق الى المعصية .. ولكن لأن المسلمين قد فارقوا جوهر دينهم، وإن ابقوا على مظهره، فأعادوا بذلك سيرة الجاهلية الأولى، فإننا نجد ان ممارسات غير أخلاقية تحدث في موسم الحج في أو قرب الحرم المكي !! وحتى ترسخ معاني التجرد في النفس لابد من مكابدة المشقة، والتخلي عن مباهج الدنيا، والشعور بالعجز، والضعف، والحاجة الى المغفرة .. ولهذا قال تعالى (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) .. ومعلوم ان الحياة قد تطورت، فلم يعد الناس يسافرون راجلين، أو على ظهور الدواب ، ولكن المبالغة في الراحة، ودفع المبالغ الطائلة لتحقيقها، فيما يعرف بالحج (الفاخر)، مفارقة لروح الحج، تخرجه من القيمة الروحية، وتجعله عملاً إجتماعياً سلبياً، يقوم على البذخ والتفاخر بالدنيا الفانية، التي جاءت شعيرة الحج، لتعين على الفرار منها ..
ومع ان الحج فريضة، وركناً أساسياً من أركان الإسلام، فإنه جاء في ترتيبه بعد الصدقة .. فإذا كان الحج يكلف أموالاً طائلة، فإن الواجب الديني، هو ألا يجمع المسلم هذه الأموال، بإمساكها عن المحتاج من أهله، أو جيرانه، أو فقراء البلد الذي يعيش فيه، حتى يسافر بها الى الحج، فإن إغاثة الملهوف، وإطعام الجائع، وعلاج المريض، أولى من الحج .. وإذا كنا ، في السودان، نعاني من ويلات الحروب، والنزوح، وظاهرة المتشردين، والجوعى، والارامل، والايتام، فإن واجب الأثرياء أن يجمعوا أموالهم لنجدة هؤلاء، وتأسيس ما يساعدهم على البقاء والاستقرار، بدلاً من إنفاق الملايين على الحج، الذي نرى مفارقته اليوم . لقد كتب الصحفي، النابه، حيدر المكاشفي، في صحيفة الصحافة، قبل أيام، عن قصة الفتاة الجامعية، التي تأكل كل يوم من (الكوشة)، وتصر على المحافظة على شرفها، ومواصلة دراستها، وهي لا تملك حق الطعام !! وقد جاء في الحديث ( ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع الى جنبه وهو يعلم به) (رواه الحاكم عن ابن عباس). فإذا كانت الخرطوم محاطة بحزام من الجوعى، يعلم به كل الأثرياء، ولا يهتمون بهم، فإن هذا يخرجهم من الإيمان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فما جدوى ان ينشغلوا بعد ذلك بالحج ؟!
إن المسلم الصادق، الذي يعرف حقائق دينه، لن يستطيع الحج في ظروف السودان الحاضرة، لأنه لو استطاع جمع الآلاف التي يتطلبها، فسيجد حوله من اهله، أو جيرانه، من يحتاج لهذا المال ليسد رمقه من الجوع، ويعف ابناءه وبناته، ويحفظ اطفاله من التشرد، وهذا لعمري أفضل بما لا يقاس من الحج .. ولعل كثير من الناس، يرغبون في الحج، لما ورد عليه من الثناء .. فقد جاء في الحديث ( الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)(رواه البخاري). ولكن الحج المبرور، هو حج الابرار، و (البر حسن الخلق والإثم ما حاك في النفس وخشيت ان يطلع عليه الناس)(رواه النووي)، واحسن حسن الخلق، إغاثة الملهوف، وإطعام الجائع .. فقد ورد في الحديث (لقمة في جوف جائع أو شربة ماء يبل بها الظمآن غلته لا تكلفك عسراً ولا تضر بك في مطعمك أو مشربك وأنت لا تلقي لها بالاً تقع منك عند الله بمكان يدفع بها عنك البلاء ويجيزك بها من سوء القضاء ويجعلها لك حجاباً وستراً من النار)(متفق عليه).. فإذا وضح كل ذلك، أصبح النظر في أمر الحج، في هذه الظروف، واجباً دينياً، قصر عنه العلماء، الذين خضعوا للسلطان، فيجب ألا يقصر عنه عامة الناس، الذين يهمهم أمر دينهم، وما لحق به من تطفيف . إن قضيتنا الدينية والإجتماعية الأولى الحاجة وليس الحج !! وواجب الحكومة والأفراد مواجهة هذه القضية، بدلاً عن الإنصراف عنها بمظاهر دينية، ليست في حقيقتها من الدين، كمثل الحج في هذه الظروف.
ومن أسوأ الممارسات التي تتم باسم الحج، ان تقوم المؤسسات الحكومية، بدفع تكاليف الحج لكبار الموظفين، من وكلاء وزارات، وموجهين تربويين، في وزارة التربية والتعليم، وغيرهم .. وهي إنما تفعل ذلك بأموال دافع الضرائب، فلكأن الحكومة تأخذ أموال الفقراء المحتاجين، لتنفقها دون موافقة اصحابها، على كبار الموظفين، الذين هم أفضل حالاً منهم .. وهذه من ناحية مفارقة للدين الذي لم يفرض الحج إلا على المستطيع، ومن ناحية أهم، هي ممارسة للظلم وأكل أموال الناس بالباطل .. فبينما يجلس كثير من الطلاب، في فصول على الأرض في ولاية الخرطوم، لأن الوزارة لا تستطيع ان توفر مقعد للطالب، تدفع الوزارة الأموال الطائلة، ليحج كبار الموظفين !! وإذا كانت الحكومة قد إعترفت بالضائقة الإقتصادية، وسعت الى طلب المساعدة من الدول العربية ولم تجدها، فما معنى إصرارها على هذه الظواهر البذخية، ولماذا لم تحد من عدد الحجاج، توفيراً للأموال، حتى يتحسن الوضع الإقتصادي ؟َ!
وحين خرجت عن الحج روح الدين، وأصبح اليوم في السودان موسم تجارة، ومنافسة حول الأرباح، ظهر الفساد في المؤسسات الحكومية، التي يديرها شيوخ الدين !! فالمؤسسات الدينية التي كان يفترض أن تحمي المواطنين، من جشع الشركات الخاصة، وتوفر لهم خدمة السفر والعودة بأيسر ما يمكن، قامت بنهبهم!! فقد جاء ( علمت الرأي العام ان د. ازهري التيجاني وزير الإرشاد والأوقاف اصدر قراراً بإيقاف احمد عبد الله مدير هيئة الحج والعمرة عن العمل واحالته للتحقيق حول تجاوزات في موسم الحج والعمرة السابق . في وقت سلمت فيه لجنة الشؤون الإجتماعية بالبرلمان ملاحظات اللجنة حول عدد من تجاوزات الهيئة) ومن تلك التجاوزات التي ذكرها عباس الفادني رئيس اللجنة بالإنابة (تسرب آلاف التأشيرات ودخولها السوق خصماً على حصة السودان )، ومنها ( فرق في العملة بين السعر الذي تشتري به الهيئة من بنك السودان وبين السعر الذي يتعامل به الحاج ) مما اعتبره رئيس اللجنة (أمر حرام بكل المقاييس واستيلاء على مال دون وجه حق) !! ومن المفارقات أيضاً ( وجود تأمين لشركة شيكان محتكر للشركة رغم توصيات البرلمان بان يكون هذا العمل إختيارياً للحاج وقال ان الحجاج تؤخذ منهم أموال تأمين دون علمهم واعتبره إستيلاء على أموال بالباطل)(الرأي العام 18/5/2011م). فهيئة الحج والعمرة ، حسب إتهام لجنة البرلمان، باعت تأشيرات الحج في السوق، وتاجرت في العملة، وربحت أموالاً من فرق العملة، مع انها لا تملك رأس المال الذي حققت به تلك الأرباح !! وهذه يفترض ان تعتبر جريمة كبرى، خاصة، وان حكومة الإنقاذ، قد أعدمت مواطناً سودانياً بتهمة المتاجرة في العملة !! ولم تكتف هيئة الحج والعمرة بذلك، بل أمّنت على الحجاج في شركة شيكان وحدها دون علمهم .. والسؤال الذي يواجه هؤلاء الشيوخ: هل التأمين نفسه حلال؟! إذا كان الحاج يمكن ان يموت في الحج، وهو راض بقضاؤ الله وقدره، فلماذا التأمين؟! ثم ألا تقوم شركة شيكان، وغيرها من شركات التأمين الإسلامية، باعادة التأمين، لدى شركات اجنبية، تقدم لها تلك الخدمة بسعر فائدة يعتبر من الربا ؟! فإذا كان هنالك حاجاً يرى ان التأمين نفسه مفارقة دينية، لانه يقوم على عدم التوكل على الله، فلماذا تؤمن له هيئة الحج والعمرة رغم انفه، لتجبره على الربا، ولتأخذ امواله بالباطل، دون علمه، كما قال رئيس اللجنة البرلمانية ؟! ومع كل هذا النهب لأموال الحجاج، لم توفر لهم الخدمة على الوجه المطلوب، إذ تأخرت سفريات بعضهم، و تعطلت مصالحهم، حتى اضطروا لترك التهليل والتكبير، والخروج في مظاهرة، تهتف ضد الحكومة ومؤسساتها، قفلت شارع المطار، وعطلت حركة المرور، وزادت من معاناة غيرهم من المواطنين !!
لقد أصبحت أعداد الحجّاج كبيرة في الآونة الاخيرة، وقد تصل الى مليوني شخص، تجبرهم مناسك الحج على التزاحم في مساحة محدودة، مما يتسبب في موت عدد كبير من الحجاج، بلغ في إحدى السنين مأتي شخص !! ولما كان هذا الموت يتكرر في كل عام، فإن أي حاج معرض لهذا التهديد، مما يجعله غير آمن على نفسه، وهذا يتناقض مع الإستطاعة، التي من ضمنها أن يكون آمناً على حياته، وما يملك، حتى يؤدي المناسك، ويرجع الى اهله بخير .. ولعل محبة المسلمين للدين، وللأماكن المقدسة، تهون في نظرهم هذا الخطر، بل ان منهم من يحبذ الموت في الحج، على الرجعة لأهله .. وهذا فهم خاطئ للدين، فالإنسان يجب الا يجزع من الموت إذا أدركه، ولكن يجب الا يطلبه، بسبب السخط وعدم الرضا عن واقعه، أو بسبب الرغبة في أن يدفن في أي مكان، أو قرب أي أحد، وذلك لأنه لا يعلم أين، وكيف، تدركه المغفرة والرحمة، على وجه اليقين .. بينما يعلم إنه يجب ان يستثمر كل لحظة من حياته، ليحقق أكبر ما يستطيع من عمل صالح .. وكون هذه الأرواح تزهق في كل عام، مفارقة كبيرة لروح الدين، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لأن تنقض الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من قتل إمري مسلم ) (رواه الطبراني) وفي رواية أخرى قال (لزوال الدنيا أهون عند الله من إراقة دم إمرئ مسلم )!! ولئن فهم الفقهاء هذه الأحاديث في إطار جرائم القتل، إلا أن بشاعة القتل نفسها جاءت من انه إهدار لحق الآخر في الحياة، وهذا هو الأمر المقدس حقيقة في جوهر الدين، بأكثر من قدسية البيت المعمور، ولهذا أشار الى أن تحطيم البيت نفسه، لا يقارن عند الله بغضبه على قتل المسلم. فهل يرضى الله عن علماء المسلمين، وهم صامتون على إهدار هذه الأرواح، بدلاً أن يجتهدوا بما يحد من زهق هذه الأرواح، والتضحية بها في سبيل إقامة شعيرة من شعائر الدين ؟! ويمكن ان يتجه الإجتهاد الى تقليل عدد الحجاج، بان تعطى فرصة لعدد بسيط لكل بلد، يتفاوت حسب عدد السكان، على ان يتم الإختيار عن طريق القرعة، فينوي عدد كبير من المواطنين في كل بلد الحج، ويختار منهم عدد قليل، بينما تكتب الحجة عند الله لكل من نوى الحج صادقاً، ورضا بعدم إعطائه الفرصة، كوسيلة لحفظ أرواح الحجاج الآخرين .. وهكذا يكون مجموع الحجاج عدد معقول، لا يسبب الزحام الذي يقتل العشرات . ولكن هذه المعالجة، لا ترضي الشركات والوكالات، والمؤسسات الحكومية، والدول التي تربح أموالاً طائلة من وراء الحج في كل موسم، ولا يهمها ان كانت هذه الأموال مخضبة بدماء الأبرياء من المسلمين، الذين يموتون كل عام بسبب هذا الزحام المفتعل، والذي يمكن ان يقلل بتدابير كثيرة .
إن حكومتنا التي تبدو حريصة على الحج، قد قتلت الآلاف من مواطنيها في دارفور، وجنوب كردفان، وابيي، والنيل الأزرق .. وقتل إمرئ مسلم واحد، أفظع ذنباً من إيقاف الحج، بتحطيم الكعبة نفسها، كما ورد في الحديث .. فهل هذا الإهتمام الزائد بالحج، والمتجاوز لحاجتنا وفقرنا، له مبعث آخر غير ما فعلت هيئة الحج والعمرة ؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق