التغيير النهائي في فكر البنا حسب قراءة محمد قطب...ومراجعته....قبل موته قال هذا الكلام..:
معركة المصحف – أين حكم الله؟
{إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً (105)} [سورة النساء 4/105]
{وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)} [سورة المائدة 5/49-51]
{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [سورة النــور 24/51]
الإسلام دين ودولة ما في ذلك شك. ومعنى هذا التعبير بالقول الواضح أن الإسلام شريعة ربانية جاءت بتعاليم إنسانية وأحكام اجتماعية، وكلت حمايتها ونشرها والإشراف على تنفيذها بين المؤمنين بها، وتبليغها للذين لم يؤمنوا بها إلى الدولة، أي إلى الحاكم الذي يرأس جماعة المسلمين ويحكم أمتهم.
وإذا قصر الحاكم في حماية هذه الأحكام لم يعد حاكماً إسلامياً.
وإذا أهملت الدولة هذه المهمة لم تعد دولة إسلامية. وإذا رضيت الجماعة أو الأمة الإسلامية بهذا الإهمال ووافقت عليه لم تعد هي الأخرى إسلامية….،
ومهما ادعت ذلك بلسانها
وإن من شرائط الحاكم المسلم أن يكون في نفسه متمسكاً بفرائض الإسلام بعيداً عن محارم الله غير مرتكب للكبائر.
وهذا وحده لا يكفي في اعتباره حاكماً مسلماً حتى تكون شرائط دولته ملزمة إياه بحماية أحكام الإسلام بين المسلمين، وتحديد موقف الدولة منهم بناء على موقفهم هم من دعوة الإسلام.
هذا الكلام لا نقاش فيه ولا جدل،
وهو ما تفرضه هذه الآيات المحكمة من كتاب الله. ولقد كانت آيات النور صريحة كل الصراحة، واضحة كل الوضوح في الرد على الذين يتهربون من الحكم بما أنزل الله، وإخراجهم من زمرة المؤمنين، فالله تبارك وتعالى يقول فيهم:
{وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمْ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (51)} [سورة النــور 24/47-51]
كما جاءت آيات المائدة تصف المهملين لأحكام الله بالكفر والظلم والفسق فتقول:
{لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ (44)} [سورة المائدة 5/44] {الظَّالِمُونَ (45)} [سورة المائدة 5/45] {الْفَاسِقُونَ (47)} [سورة المائدة 5/47] ثم تقول:
{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)} [سورة المائدة 5/50]
ولا يكفي في تحقيق الحكم بما أنزل الله أن تعلن الدولة في دستورها أنها دولة مسلمة، وأن دينها الرسمي الإسلام، أو أن تحكم بأحكام الله في الأحوال الشخصية وتحكم بما يصطدم بأحكام الله في الدماء والأموال والأعراض، أو يقول رجال الحكم فيها إنهم مسلمون سواء أكانت أعمالهم الشخصية توافق هذا القول أم تخالفه. لا يكفي هذا بحال.
ولكن المقصود بحكم الله في الدولة أن تكون دولة دعوة، وأن يستغرق هذا الشعور الحاكمين مهما علت درجاتهم والمحكومين مهما تنوعت أعمالهم. وأن يكون هذا المظهر صبغة ثابتة للدولة توصف بها بين الناس، وتعرف بها في المجامع الدولية، وتصدر عنها في كل التصرفات، وترتبط بها في القول والعمل.
في العالم دولة اسمها الاتحاد السوفيتي، لها مبدأ معروف ولون معروف ومذهب معروف، نحن لا نأخذ به ولا ندعو إليه، ولكنا نقول إن هذه الدولة عرفت بلونها هذا بين الناس وفي المجامع الدولية، وهي ترتبط بمقتضياته في كل تصرفاتها وأقوالها وأعمالها. وقد أرادت إنجلترا وأمريكا تقليدها فادعتا أنهما تصطبغان بالدعوة إلى شئ اسمه الديمقراطية، وإن اختلف مدلوله بمختلف المصالح والمطامع والظروف والحوادث.
فلماذا لا تكون مصر – وهي دولة مستقلة وذات سيادة – معروفة في المجامع الدولية بتمسكها بهذه الصبغة الإسلامية وحرصها عليها ودعوتها إليها وارتباطها بها في كل قول أو عمل؟ ذلك هو أساس الحكم بما أنزل الله. ومتى وجد هذا المعنى، وارتبطت الدولة بهذا الاعتبار، واصطبغت بهذه الصبغة، فستكون النتيجة ولا شك تمسك الحاكمين بفرائض الإسلام واتصافهم بآدابه وكمالاته، فيتحقق حكم الله فردياً واجتماعياً ودولياً وهو المطلوب.
أين نحن من هذا كله؟
الحق أننا لسنا منه في شئ. وكل حظنا منه نص المادة 149 من الدستور، ثم ما بقى في نفوس هذا الشعب من مشاعر وعواطف وتقدير وأعمال وعبادات. أما الحكومة والدولة ففي واد آخر.
يا دولة رئيس الحكومة أنت المسئول بالأصالة. ويا معالي وزير العدل أنت المسئول بالاختصاص. ويا نواب الأمة وشيوخها أنتم المسئولون باسم أمانة العلم و التبليغ التي أخذ الله عليكم ميثاقها.
"ويا أيتها الأمة أنت المسئولة عن الرضا بهذا الخروج عن حكم الله، لأنك مصدر السلطات".
"فناضلي حكامك وألزميهم النزول على حكم الله، وخوضي معهم معركة المصحف، ولك النصر بإذن الله".
حسن البنا
...........................................
قال الشيخ محمد قطب عن هذا المقال في كتابه واقعنا المعاصر:" ولئن كان هذا لم يكن واضحاً تماماً في مبدأ الطريق، أو كان خافياً وراء الحماسة العاطفية للجماهير، فقد اتضح في حس الإمام الشهيد في أيامه الأخيرة على ضوء الخبرة الواقعية، كما يبدو ذلك واضحاً متبلوراً في هذا المقال الذي ننقله بنصه كاملاً من جريدة "الإخوان المسلمون" اليومية (العدد 627 السنة الثالثة بتاريخ الأحد 7 رجب 1367، 16 مايو سنة 1948)" 356ص.
و قال أيضا ص359:" نعم، لقد اتضح الأمر في حس الإمام الشهيد في أيامه الأخيرة، ولكنه لم يمهل حتى يرسخ هذا المعنى في قلوب أتباعه كما أشرنا من قبل، فظل هذا المعنى غير واضح في نفوسهم، ولا تبدو آثاره في تخطيهم وتحركهم وأفكارهم."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق