حين يقرأ القلب الوجوه، ويدرس المواقف يجد أن بعض المثقفين المستغربين لديهم بقية حياء، وعيون لا تخون، ويريدون بقاء أي ذرة، أو أرق وأدق -وأي!- حبل ممدود، موصول بالسماء، فلا يقطعونه، كما قطعوا بقية الحبال،
ورغم كونهم على دين بقيتهم فالباقون من النخبة لا يطيقونهم، لكونهم لا يرضون البيع التام والتدنس الكامل وكل ألوان التنازل والوضاعة، وترك الحياد والقسط،
وتلك القلة تريد وسطا بين هذا الطريق، الصراط..وكل السبل المفرقة المتفرقة، وتحلم بنهاية سعيدة،
ويشعر المرء أنهم سيتوبون بإذن ربهم يوما ما، ولو في لحظاتهم الختامية، أو قرب نهاية رحلتهم الفكرية، بل العملية، فالفكرية متوقفة إراديا،
وعند آخر المسار سيعلمون- علم اليقين- أن الله تعالى لا يقبل إلا طيبا خالصا، لا يقبل تخليطا وشركا، ولو بسيطا في أذهانهم، ولا يسار ولا يمين إسلامي، بل إسلامي أولا، ولا وسط مذبذب أو متأرجح، أو ذي قلبين في جوفه، أو يتسامح لدرجة انعدام الموقف، لدرجة نسيان الحق والرسالة والقضية، ولدرجة محو اليقين وطمسه،
طيب القسمات، لكنه غير واضح الملة ولا النهج الرباني والمشرب العالي والصبغة المنيرة، فيتحول إلى حلولي اتحادي...
يربت ويبتسم ويصمت ويبتلع، ويشارك ويهادن ويداهن دون ضابط أو رابط، دون دين...بالمعاني القرآنية لكلمة دين، فيميع ويضيع ! كل المعالم والحدود، ويضيع قلبه! ويذوب في عالمهم، وسيتعلم كذلك، من تصرفات النخبة التي وهبها عمره وماله ودينه، وتلطف نحوها حتى أخفى! الحق..سيتعلم منهم نفس الدرس، قليل من التطهر مرفوض بينهم، متوجس منه مستراب فيه..تبقى النبوة أسوة وقدوة، لطف وبيان جلي ناصع أبلج، رقة وأدب حاسم مستمسك، بسمة معتصم مستعصم، بر دون الولاء، وبراء دون العقوق، قوة عند الحاجة للردع، ونصرة لا تخذل محتاجا، ولا تترك سنا للفساد، لا ماديا ولا مسخا عقليا، دون بذل الروح حبا وتقربا...رافعة لواء الحق وراية السلم سخية ندية مشفقة راجية، فليست محنتهم عقلية فقط، ولا دواؤها أن تلبس ثوبها وتتحاكم لفلسفتها لتخرج منها مقبولا...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق