النصيحة والعتاب لا يلغيان الحب، ولا يعنيان التصيد أو التفرغ للكيد وترك العمل..
"أُحِبُّ أَخي وَإِنْ أعْرَضْتُ عَنْهُ ** وَقَلَّ على مسامِعِهِ كلامي"
"قَالَ تَعَالَى : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ }
قَالَ الْغَزَالِيُّ : أَفْهَمَتْ الْآيَةُ أَنَّ مَنْ هَجَرَهُمَا خَرَجَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ .
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ : جَعَلَهُ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - فَرْقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ .
......
وَقَالَ تَعَالَى : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُد وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ }
.. -كتاب الزواجر-"
"أخي كم نتابع أهواءنا ** ونخبِط عشواءها في الظُّلم..
رويدك جرت فعد واقتصد ** أمامك نهجُ الطريق الأعم..
وتُب قبل عضِّ بنانِ الأسى ** ومن قبل قرعك سنّ الندم..
وقل ربّ هب رحمةً في غد ** لعبدِ بسيما العُصاة اتسم.."
*الصواب يشكر ويثنى عليه وعلى فاعله ويؤمر بمثله وينصح بالتأسي به..
*والخطأ العلني ينكر علنا، وينهى عنه، ويحذر من تكراره وتقليده...
وهذا لا يعني الانشغال بسفاسف الأمور أو التأولات، لكن: الخطأ الواضح المجاهر به والظاهر للناس..
لم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة في حد من حدود الله تعالى،
ولا ترك صلى الله عليه وسلم الإنكار على أي خطيئة علنية لزم فيها البيان واحتيج إليه...
أي لزم فيها التعليم، فهذا كالدواء للمريض... وكإبعاد الفراش عن النار كي لا يحترق..لا يؤجل..
وهذا يختلف عن فقه ترك المستحبات لتأليف القلوب،
وعن التجاوز وإقالة بعض العثرات، التي يظهر فيها الإنكار لكن لا حد فيها، أو تغفرها الأعمال العظيمة،
ومنع العقوبة يختلف عن منع الوصف والحكم...
فمن ارتكب ما يوجب العقاب وعفا عنه من بيده العفو أو خفف
لا يعني هذا عدم وصف الخطأ بأنه مخالفة..
*دورنا أن نيسر على الناس في حدود الشرع،
*ومن سلامة قلوبنا أن نسعد لتحسن ظروف حياتهم بشكل يسمح لهم بالانتقال للطاعة بسلاسة،
وأن نسعد بالتحول إلى جو يقلل الضغوط على من شاء الاستقامة، ويسمح بأن يؤخذ على ظاهره
ويؤلف قلبه وينتظر تحسن نيته.
وأن نسر لولادة مناخ يعين الراغب في الطاعة أو حتى في جزء منها
ولو مع دخن في نيته، ويعين من يقوم مساعدا لهم على الأخذ بأيديهم
للخير، وللتطهر، ويقربهم، وليس دورنا فقط استخراج السلبيات
والعيوب، لكن لابد للمسلم المعلم الداعية ولآحاد المسلمين ممن يرون
المنكر من إنكاره، ومن الوعظ معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون، ومن تبليغ الآية
كما سمعوها والحديث كما سمعوه، عند الاحتياج إليه، ومن تصحيح المسار من العوار، لكيلا يحسب
التمييز والظلم من المسار، أو يظن أن من سمات المسلمين المحاباة والواسطة والتفرقة.
فالحلم والرفق والتلطف والاهتمام بالإيجابيات لا يعني أن نترك الشريف إذا سرق على رؤوس الأشهاد، ونسلخ الضعيف، فهذه
ليست إقالة العثرة ولا روح البناء، ولا التغافل الفطن، بل هذه طريق الهلكة
والمحاباة والجور وتمييع الدين والكيل بمكيالين، فالوقوع في زلات وهنات وقصور
وسلبيات يجب فيه التفرقة بين الكبائر وما دون ذلك، وبين التخطئة والعقوبة التي
يمكن تغير حالها..
نعم... دور المؤمن أكثر من أخذ موقف من الأمور ومن الناس،
وإن كان هذا جزءا من دوره كمؤمن، فعليه التوازن بين تربية نفسه وتصفية قلبه أولا بأول،
والاقتراب من مقام المحسنين ودوام السجود، والعمل العام الدؤوب، وترك الذنب
وإقامة الواجب العام والخاص، وأداء الفرض العيني، وما لزمه من فروض الكفايات، وإعمار الأرض
وإبلاغ الرسالة..فهو قول عظيم ثقيل..وأمانة أشفقت منها السماوات..
وعليه كمؤمن أن يراجع قلبه دوما، منعا لتسرب الانغلاق والدوران في فلك الذات وعدم تقبل العلم والنصح
من الأدنى أو الرأي الآخر أو الوعظ واتهام النفس بالتقصير..، منعا لتسرب الحسد أو العجب والاستعلاء،
وليس واجبه مجرد التقويم والتدريس، والتماس مكامن الخطأ فقط، نعم هذا جزء
من واجبه حسب قدراته ومسؤولياته، ومع التنبيه عليها وإنكارها والتحذير من عاقبتها ونتيجتها
يتوجب عليه أن يكون كل هذا في إطار الحرص على الناس، والاهتمام بهم ورعايتهم،
وأن يسر بالتسهيل لهم فيما أذن به الله تعالى، وباقترابهم وبإمكانية خروجهم من فتنتهم..
ويبقى أمر النية واختبار القلب رفيقا للمؤمن، على أن يكون غير مانع له، ولا مدخلا للشيطان لترك الواجب فهذه من مداخله..
"عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَأْمُرَ وَيَنْهَى وَإِنْ عَلِمَ بِالْعَادَةِ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ ، وَإِنْ كَانَ الْآمِرُ وَالنَّاهِي غَيْرَ مُمْتَثِلٍ وَلَا مَأْذُونٍ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَ نَفْسَهُ وَغَيْرَهُ فَإِذَا اخْتَلَّ أَحَدُهُمَا لَمْ يَسْقُطْ الْآخَرُ.."أ.ه.-الزواجر -"
"أَخي لا تُسوِّف بالمتاب فَقَد أَتى ** نَذيرُ مَشيبٍ لا يُفارِقُهُ الهَمُّ"