الخميس، 5 يونيو 2014


هذا النموذج الشعري مثال للأدب الراقي، الذي يصلح أن يترنم به المناضلون بعد النصب والذكر، فيستروحون به سويعة السمر ،
ويكون حداءهم وهم سائرون في كفاحهم معا،  وهم يقتسمون اللقمة، وهم يصلون الليل بالنهار ، وهم يفارقون إلفتهم ويغتربون في الثغور  ..  ،
ويتعلمه طلاب المدارس بدل الحشو المنفر وحفظ البلاغة!

الأدب النظيف ليس فقط ترويحا بديلا مطلوبا ومكونا فطريا مرغوبا،  بل هو  كذلك مشكاة تعليم وتأهيل،  وتربية نفسية وزاد معنوي للأمام، وليس  كحداثتهم تدنيا نحو الأسفل واللاشيء !  ..

غيرنا يتعلمون آدابهم وكنوزهم  لكيلا تتلاشى هويتهم ومبادؤهم الأخلاقية..ونحن أولى بذا..  لو كنا نعلم.

هذه القطعة آية في روعة الصداقة والسمو الأخلاقي،  وهي نموذج للرقي الثقافي بوعاء الحضارة الذي هو اللغة..

ولو كان لدى الغرب ديوان كديوانهم لمارس الأستاذية بهذا الجمال..

كان العلماء يدرسون بنيهم فنون البلاغة بعد الكتاب والسنة، فبفهم اللغة وحبها تتكون آلة إدراك لائقة بالبيان العلوي،  ومعها ذائقة رائقة لإجلال بلاغة القرآن وتفهم السنة..

قال صلاح الصفدي لصاحبه محمد بن محمد المصري ابن سيد الناس:

"سلوا نسمة الوادي إذا هي هبّت     ** 

سُحَيراً وهزّت في الربا كلَّ أيكةِ..

فكم لي في أثنائها من رسالة   **        

أضمّنها شوقي إليكم ووحشتي..

وما طابَ رياها الى أن تضمّنتْ        **        

ثنائي على عليائكم وتحيتي..

إذا عانقتْ في الروض أغصان بانه      **       

حكت خطراتِ الغيد لما تثنّتِ..

وإن نبهتْ ورقَ الحمائم أعلنت  **                

وأغنتْ عن الأوتار لما تغنّتِ..

وإن سحبتْ ذيلاً بمنعرج اللوى     **           

تحلّ عُرى أزهاره حيث حلّتِ"

...

فمنّوا بإهداءِ السلام على فتىً    **

تردّد منه الروحُ في جسم ميّت..

رعى الله أياماً تقضتْ بقُربكمْ    **

   وحيّا محلاً كنتم فيه جيرتي..

لما سِرْتُ عن ذاكَ الجِناب الذي حوى       **

  من الفضلِ والعلياء كل عظيمةِ..

ولو كان يُشرى القُربُ بالنفس ما غلا **

   ومَن لي لو نِلتُ المُنى بالمنية..

وما ضرّكم لو زار طيفُ خيالكم  **

       فخفّفَ من وجدي ونفّس كُربتي

وكيف يخوضُ الطّيفُ لُجَّ مدامعي    **

     ومن بعدكم تعرف النومَ مُقلتي"

فرد عليه صاحبه  :

..

إليكَ صلاح الدين أشكو صبابتي  **

       وأرفع فيما رابني منك قصّتي..

أقول بأن القلب مثواك دائماً   **

      وأشكو إليكَ الشوقَ في كل لحظةِ..

وأشكر أياماً تقضّتْ بقربكم   **

  وقلّ لها شُكري وإن هي حلّتِ..

وأشكر لكَ الأيام تلك بعينها  **

   فأعجبُ من شكري لها وشكيتي..

تصدّت لنا بالوصلُ تُطعمُنا به      **

   فلما أجبناها تجنّت وصدّتِ..

ولو أنها منّت بطول بقائها    **

   جنينا ثمارَ الوصل من حيثُ منّتِ..

...

تناءَيتَ عن طرفي وأنت بمهجتي **

فها بصري يشكو إليك بصيرتي.."
..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق