يعجبني في التفسير الموضوعي لفته انتباهنا بنظرته الشاملة للسورة، وتأمله للمجمل والمآل والمراحل والسياق الأوسع..
وكل تفسير له فائدته ونوره وبركته..
فالتفسير المتأمل في دقة وأبعاد اختيار لفظة قرآنية قد يفتح آفاقا وكنوزا ويقدم حلولا…
والتأمل في السياق العام للآيات وللسورة يقدم أنوارا ولطائف وبصائر أخرى ..
والنظر المجمل للوحي ليس محدثا، وقد وردت له أمثلة كثيرة ، تشير لتدبر كلي عام لسمات كل سورة ولموضوعاتها الخاصة بها،
من أول الأحاديث الشريفة التي تتحدث عن سور بعينها وتركز على خصائص لهذه السور بالذات، وميزات وآثارا وتعاملا معينا مع هذه السور.. انتقالا إلى تسمية السور بأسماء خاصة وهذا له دلالة تميزها.. ثم ترتيبها توقيفيا.. ثم وصف بعض الصحابة والتابعين لسور معينة برمزية سياقها..ومواقفهم مع هذه السور وكلامهم في التعامل مع فقرات معينة علميا! بعنوان إرشادي لهذه الفقرات قد بينوه…
وكذلك اجتهاداتهم في توضيح سبب نظم الآيات بهذا الشكل ، وتوضيح حال السور وخواتيمها، وتبيين صلة الخواتيم بفواتح السور التالية بعدها، وتناسب ذلك، كعقد الدرر..
وتبين تمييزهم لبنيان كل سورة بشكل موضوعي في اختيارهم سورا للتعليم والتربية للناشئة وو.. وللتذكير بها كجواب في مقامات معينة..
وتبينت أمثلة التفسير الموضوعي كذلك في لفتات أئمة المفسرين عند بدايات السور، وعند انتقال السياق بين الموضوعات داخل السور ، كلها فيها أمثلة لذلك التدبر الموضوعي.. وغيرها في غير كتب التفسير كثير للمطلع…
في سورة الكهف :
"وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا"..
.. وماذا بعد ..
هل سيظل الحال هكذا..
وهل هي مشكلة بعض معاص ولمم قليل، وبذلك تسير معها الحياة بالوعظ فقط، ولا تنهار الأمم وتقع في الهاوية دنيويا وتخسر دينيا خسرانا مبينا..
وهل سيسمح لك هذا الذي لن يهتدي أبدا وقلبه محجوب وأذنه فيها وقر بأن تعلم الصواب وتربي على كامل الكتاب لتقوض قوائم عرشه بعد حين...
وهل هذا هو أمر الله سبحانه وتعالى أم يكذب بعضهم على الله ، ثم على بعض..
وهل نموذج نوح عليه السلام هو الأوحد.. كلا… وحتى ذاك النموذج تلاه طوفان خالد… فهل الأمة التي أمرت بفعل مختلف ، ووعدها الله سبحانه بتأييد من عنده، وتوعد المنخذل منها والمخذل له مثلها مثل أمة سابقة أمرت بالصبر لأن هناك تدخلا من عند من في السماء بطوفان…
وهل يتم تنزيل واقع ملفق من كل عهد ومرحلة للخروج بنتيجة مشوهة جامدة سلبية ومضيعة للعمر والملة،
" فلن يهتدوا إذا أبدا.. "
فهل تتوقف الحياة للإيمان بسبهم ..كلا..
هناك عدة نماذج مشروعة :
قبلها في سورة الكهف كان هناك نموذج لمسار شرعي لمؤمنين اعتزلوا في كهفهم بعيدا عن هذا الانحدار ، ليس عن فتنة التباس، لكن عن غربة عميقة واضح فيها حقها وباطلها، وهو نموذج يعيبه السفهاء لفظا ومعنى، ويعتبرونه عيبا وسبة، رغم وروده في الكتاب والسنة، وذكره على لسان السلف في مراحل وأحوال وأزمان معينة،
والعيب هو تعميم نموذج الاعتزال وجعله هو الحل الأوحد، وإسقاط فرائض أخرى واجبة حسب الحال لتغيير كل شيء…
والعيب كذلك هو شيوخ ضلال يقومون بوصف سلبيتهم وكتمانهم الحق بأنها دعوة.. ووصف حالهم مع فراعنتهم والملأ والقوم المستخفين بأنه اعتزال لفتنة ملتبسة بين مسلمين وهذا تدليس وإضلال للناس وتغرير فاحش بتبديل حقيقة الدين والإسلام وجعلها فقط كلمة باللسان وكل ما سواها مختلف فيه!! ...
وهناك نماذج أخرى للخروج من هذا الجمود، فهذا تمهيد لبيان ما لم يكن قد فرض بعد على المؤمنين في مكة..
فسيأتي ذكر حلين على يد ذي القرنين! وحلول أخرى قدرية كإهلاك القرى عموما ..وكل بموعد ..
وكذلك مواقف الخضر، كمثال آخر ليد القدر ، التي تحول المسار للغافل والعاجز والناشئ، ولو بدون علمه ، ولو كان ظاهرها ضرر عابر أو مصلحة تبدو بسيطة ساعتها .... وغير ذلك للمستبصر... يتبع..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق