"هؤلاء هم «الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ، فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ» ..
وليس وراء الطغيان إلا الفساد..
فالطغيان يفسد الطاغية، ويفسد الذين يقع عليهم الطغيان سواء..
كما يفسد العلاقات والارتباطات في كل جوانب الحياة...
ويحول الحياة عن خطها السليم النظيف، المعمر الباني، إلى خط آخر لا تستقيم معه خلافة الإنسان في الأرض بحال..
إنه يجعل الطاغية أسير هواه، لأنه لا يفيء إلى ميزان ثابت، ولا يقف عند حد ظاهر، فيفسد هو أول من يفسد ويتخذ له مكانا في الأرض غير مكان العبد المستخلف وكذلك قال فرعون.. «أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى» عند ما أفسده طغيانه، فتجاوز به مكان العبد المخلوق، وتطاول به إلى هذا الادعاء المقبوح، وهو فساد أي فساد.
ثم هو يجعل الجماهير أرقاء أذلاء، مع السخط الدفين والحقد الكظيم، فتتعطل فيهم مشاعر الكرامة الإنسانية، وملكات الابتكار المتحررة التي لا تنمو في غير جو الحرية...
والنفس التي تستذل تأسن وتتعفن، وتصبح مرتعا لديدان الشهوات الهابطة والغرائز المريضة، وميدانا للانحرافات مع انطماس البصيرة والإدراك، وفقدان الأريحية والهمة والتطلع والارتفاع، وهو فساد أي فساد..
ثم هو يحطم الموازين والقيم والتصورات المستقيمة، لأنها خطر على الطغاة والطغيان. فلابد من تزييف للقيم، وتزوير في الموازين، وتحريف للتصورات كي تقبل صورة البغي البشعة، وتراها مقبولة مستساغة..
وهو فساد أي فساد."...
..من الظلال، المجلد السادس..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق