الاثنين، 11 أبريل 2016

مدرسة للسخط

قال في مقاله منذ عشرات السنين أنه يريد أن ينشئ مدرسة:

"مدرسة للسخط على محطة الإذاعة، تلك المحطة التي تنقل ما في المواخير والصالات، وما في الأفلام السينمائية، وهي لا ترتفع عن المواخير والصالات، تنقله إلى كل بيت، والى كل سمع، شاء من في البيوت أم أبوا، ورضى الناس أم كرهوا، ولا تدع هذا الهراء القذر محدودا في الصالة أو الفيلم يراه من يشاء، ويذهب إليه من يشاء، بل تفرضه فرضا على البيوت، حتى إذا كان فيها بقية من إنسانية أو حياء، قضت على هذه البقية الباقية من الإنسانية ومن الحياء، وهي تصنع كل يوم هذه الجريمة وتنفق عليها من جيب هذا الشعب الذي تفتت كيانه في كل لحظة من اللحظات!


ومدرسة للسخط على تلك الصحافة الداعرة، التي تسمى نفسها (صحافة ناجحة) لأنها تنادي الغريزة الحيوانية وتستثيرها في كل سطر وفي كل صورة، وهو عمل رخيص لا يحتاج إلى براعة صحفية، عمل يقوم به مديرو المواخير فيطاردهم بوليس الآداب في كل مكان! ودع عنك ما يقوم به بعض هذه الصحف من دعاية للاستعمار ولخدام الاستعمار، وما يثبطون به عزائم المصريين
كلما هموا للجهاد في سبيل قضيتهم الكبرى. وما كانت هذه الصحف في حاجة إلى تلك الدعاية السافرة أو المستترة، فهي بما تنشر من صور داعرة، وبما تثير من غرائز هابطة، تقتل في الأمة كل نخوة وكل شرف وكل قوة، وتهيئها للاستغراق في لذائذ حيوانية، لا تسال بعدها عن وطن ولاعن استقلال!


وأخيرا مدرسة للسخط على هذا الشعب الذي يسمح بكل هذه (المساخر)، ويتقبل كل تلك الأوضاع، دون أن ينتفض فينبذ هؤلاء وأولئك جميعا، وينفض يده من رجال السياسة المضللين، ورجال الأدب والصحافة المأجورين، ورجال الحكم المدلسين، ومن الاستقراط والمتسقرطين! ومن دعاة المواخير: في محطة الإذاعة، وفي السينما، وفي الصحف، وفي المواخير!


مدارس للسخط! ما أحوج الشعب منها إلى الكثير، انه لأحوج إليها من الطعام والشراب. . . فمن ينشئها؟!
أينشئها هذا الجيل من الشباب المائع المسترخي إلا النادر القليل؟. . . كلا! إنما تنشئها الأقلام المخلصة، الأقلام التي تواجه الحقائق، ولا تنفر منها، ولا تخشى عاقبة الجهر بها، الأقلام التي لا تيئس ولا تمل، ولا تؤمن بأنه لا فائدة!
وأنها لفريضة على كل صاحب قلم، ولن تضيع صرخة واحدة في الهواء، فالهواء احفظ للأصداء، والأجواء حفية بالدعاء، ومن لم توقظه الدعوة، فلتوقظه الصيحة. . .
ولا يأس مع الحياة!
-------------------
صاحب الظلال
مجلة الرسالة العدد: 691
الصادر في يوم الاثنين 4 من ذي القعدة 1365 هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق