الأربعاء، 5 أكتوبر 2016

ابن كثير يكتب عن أبيه!


عندما يكتب المرء عن أبيه يكون للكلام
شجن خاص جدا
وهنا رأيت المؤرخ المحدث ابن كثير الدمشقي في هذا النص الجميل الذي أقتطف منه:
"وكان يخطب جيداً، وله مقول عند الناس، ولكلامه وقع لديانته وفصاحته وحلاوته، وكان يؤثر الإقامة في البلاد، لما يرى فيها من الرفق ووجود الحلال له ولعياله، وقد ولد له عدة أولاد من الوالدة ومن أخرى قبلها‏.

أكبرهم إسماعيل، ثم يونس وإدريس،
ثم من الوالدة عبد الوهاب، وعبد العزيز، ومحمد، وأخوات عدة،
ثم أنا أصغرهم..
وسميت باسم الأخ إسماعيل، لأنه كان قد قدم دمشق فاشتغل بها بعد أن حفظ القرآن على والده وقرأ مقدمة في النحو، وحفظ ‏(‏التنبيه‏)‏ وشرحه على العلامة تاج الدين الفزاري وحصل ‏(‏المنتخب في أصول الفقة‏)‏ قاله لي شيخنا ابن الزملكاني، ثم إنه سقط من سطح الشامية البرانية فمكث أياماً ومات، فوجد الوالد عليه وجداً كثيراً، ورثاه بأبيات كثيرة‏.‏
فلما ولدت له أنا بعد ذلك سماني باسمه، فأكبر أولاده إسماعيل وآخرهم وأصغرهم إسماعيل، فرحم الله من سلف وختم بخير لمن بقي...
-------
وفيها – في هذه السنة- توفي الوالد:
وهو الخطيب شهاب الدين أبو حفص عمر بن كثير .... بن درع القرشي...، وهم ينتسبون إلى الشرف وبأيديهم نسب
---------
واشتغل بالعلم عند أخواله بني عقبة ببصرى
فقرأ البداية في مذهب أبي حنيفة، وحفظ جمل الزجاجي، وعني بالنحو والعربية واللغة، وحفظ أشعار العرب حتى كان يقول الشعر الجيد الفائق الرائق في المدح والمراثي وقليل من الهجاء،
ثم انتقل إلى خطابة القرية شرقي بصرى، وتمذهب للشافعي، وأخذ عن النووي والشيخ تقي الدين الفزاري، وكان يكرمه ويحترمه فيما أخبرني شيخنا العلامة ابن الزملكاني، فأقام بها نحواً من ثنتي عشرة سنة
ثم تحول إلى خطابة مجيدل القرية التي منها الوالدة، فأقاما بها مدة طويلة في خير وكفاية وتلاوة كثيرة‏.‏
توفي والدي في شهر جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعمائة، في قرية مجيدل القرية، ودفن بمقبرتها الشمالية عند الزيتون وكنت إذ ذاك صغيراً ابن ثلاث سنين أو نحوها لا أدركه إلا كالحلم‏.

ثم تحولنا من بعده في سنة سبع وسبعمائة إلى دمشق صحبة كمال الدين عبد الوهاب، وقد كان لنا شقيقاً، وبنا رفيقاً شفوقاً، وقد تأخرت وفاته إلى سنة خمسين، فاشتغلت على يديه في العلم فيسر الله تعالى منه ما يسر، وسهل منه ما تعسر والله أعلم‏.

وقد قال شيخنا الحافظ علم الدين البرازلي في معجمه ......‏:‏عمر بن كثير القرشي خطيب القرية وهي قرية من أعمال بصرى رجل فاضل له نظم جيد ويحفظ كثيراً من اللغز وله همة وقوة‏.‏
كتبت عنه من شعره بحضور شيخنا تاج الدين الفزاري‏.‏
... أنشدنا الخطيب شهاب الدين أبو حفص عمر بن كثير القرشي خطيب القرية بها لنفسه في منتصف شعبان من سنة سبع وثمانين وستمائة‏:‏
نأى النوم عن جفني فبت مسهداً *
أخا كلف حلف الصبابة موجدا
سمير الثريا والنجوم مدلها *
فمن ولهي خلت الكواكب ركدا
طريحاً على فرش الصبابة والأسى *
فما ضركم لو كنتم لي عودا‏

تقلبني أيدي الغرام بلوعةٍ *
أرى النار من تلقائها لي أبردا
ومزق صبري بعد جيران حاجزٍ *
سعير غرام بات في القلب موقدا
فأمطرته دمعي لعل زفيره *
يقل فزادته الدموع توقدا
فبت بليل نابغي ولا أرى *
على النأي من بعد الأحبة صعدا
فيالك من ليل تباعد فجره *
عليَّ إلى أن خلته قد تخلدا
غراماً ووجداً لا يحد أقله *
بأهيف معسول المراشف أغيدا
له طلعة كالبدر زان جمالها *
بطرة شعر حالك اللون أسودا
يهز من القدر الرشيق مثقفاً *
ويشهر من جفنيه سيفاً مهندا
وفي ورد خديه وآس عذاره *
وضوء ثناياه فنيت تجلدا
إلى أن قال:
ورب أخي كفرٍ تأمل حسنه *
فأسلم من إجلاله وتشهدا
...
وعدتها ثلاثة وعشرون بيتاً والله يغفر له ما صنع من الشعر‏.‏
... ثم دخلت سنة أربع وسبعمائة ..."
انتهت الاقتباسات من كلام العلامة ابن كثير رحمه الله تعالى.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق