الاثنين، 15 يونيو 2015

الوزير جمال الدين في (أخبار الدول المنقطعة)  (اعتزم الحاكم-  بأمر الله  العبيدي - أن ينكل بمصر وأهلها، فاستدعى العرفاء والقادة ونظم معهم خطة العمل، وعهد إلى مقدمي العبيد وغيرهم من الطوائف بافتتاح الهجوم، فأخذوا يغيرون على أحياء مصر في هيئة عصابات، وينهبون الحوانيت والسابلة، ويخطفون النساء من الدور، والشرطة تغضي عن جرائمهم، والحاكم معرض عن كل شكاية وتضرع، وكان ذلك في جمادى الآخرة سنة 411 هـ.
ثم اتسع نطاق الاعتداء، فهاجمت قوى العبيد والترك والمغاربة مصر من كل صوب، وأضرموا النار في أطرافها، وهب أهل مصر للدفاع عن أنفسهم، واستمرت المعارك بين الفريقين ثلاثة أيام، وألسنة اللهب تنطلق من المدينة القديمة إلى عنان السماء، والحاكم يركب كل يوم إلى الجبل، ويشاهد النار، ويسمع الصياح، ويسأل عن حقيقة الأمر، فيقال له: إن العبيد يحرقون مصر وينهبونها، فيظهر الأسف والتوجع، ويقول: ومن أمرهم بهذا لعنهم الله ؟ !.
وفي اليوم الرابع اجتمع الأشراف والكبراء في المساجد ورفعوا المصاحف وضجوا بالبكاء والدعاء، فكف الأتراك والمغاربة عن متابعة الاعتداء، واستمر العبيد في عدوانهم، وأهل مصر يدفعونهم بكل ما استطاعوا. وطلب الأتراك والمغاربة إلى الحاكم أن يأمر بوقف هذا الاعتداء على أهل مصر، وعلى أموالهم، خصوصًا وأن لهم بين المصريين كثيرًا من الأصهار والأقارب، ولهم في مصر كثير من الأملاك، فتظاهر بإجابة مطلبهم، ولكنه أوعز إلى العبيد أن يستمروا في القتال، وأن يتأهبوا لمدافعة الترك والمغاربة، فاشتدت المعارك بين الفريقين، ودافع الترك والمغاربة عن أهل مصر، ومزقوا جموع العبيد ونكلوا بهم، ثم هددوا الحاكم باقتحام القاهرة وحرقها، إذا لم يوضع حد لتلك الجرائم، فخشي الحاكم العاقبة، وأمر العبيد بالتفرق ولزوم السكينة، واعتذر لأشراف مصر وزعماء الترك والمغاربة عما وقع، وتنصل من كل تبعة فيه، وأصدر أمانًا لأهل مصر قرئ على المنابر.
وسكنت تلك الفتنة الشنعاء بعد أن لبثت الفسطاط بضعة أسابيع مسرحا لمناظر مروعة من السفك والعبث والنهب، وأحرقت معظم شوارعها ومبانيها، وخربت معظم أسواقها، ونهبت، وسبي كثير من نسائها، واعتدى عليهن، وانتحر كثير منهن خشية العار، وتتبع المصريون أزواجهم وبناتهم وأمهاتهم وافتدوهن من الخاطفين)

منقول، نقلا عن الباحث محمد عنان، في كتابه عن الدولة التي سمت نفسها بالفاطمية، وهي  باطنية عبيدية. وهو نقل عن الوزير جمال الدين في كتابه أخبار الدولة المنقطعة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق