الثلاثاء، 14 نوفمبر 2023

من أين نبدأ

 قال أحد العلماء في حوار سمعته منذ زمن طويل /

(( ذهبت منذ نصف قرن لأستاذي العلامة الموسوعي الكبير "فلان" ليشرف علي في الدراسات العليا، وكان يفترض أن نختار عناوين للبحث، فقال لي "عاوز تحضر دراسات عليا، طيب روح اقرأ لغويات وجغرافيا وتفسير وتاريخ وأدب عربي وعالمي وعلوم سياسية ونقد فلسفات وكذا وكذا ووو.. وتعال بعد ستة أشهر قل لي قرأت إيه.." . يقول "المعيد" ساعتها صدمت جدا جدا، ووجدت في نفسي وجدا شديدا .. لكن يسر الله تبارك وتعالى، وعزمت وعدت وأكملت وقبلت التحدي...))


قد يظنونها قلة لياقة، ربما، لكن الفحوى أنه كان يصنع عالما حقيقيا أو دارسا فاهما حقا على الأقل.


.. الشاهد أن الصبر من عدتك في النزالات، الصبر على الطاعة والذكر، الصبر على التعلم والتدرب والبناء وشق الطرق وو....


 وقال

 ((كان يصمم ونحن طلاب على أن نعرف الأصل لكل شيء، ويجعل الدارسين كأنهم أعضاء هيئة تدريس، مقارنة بزملائهم في كليات أخرى في نفس التخصص، ويلزمنا أن ندرس مثلا اللغة القديمة للنصوص المترجمة التي نذاكرها، لنحلل ما يقول المؤرخ العملاق فلان ، ولا نقلده بل نتقن ونتعمق)) ..


 ومثله أستاذ علامة موسوعي كان لا يقبل من الطلاب ذكر اسم أحد الرموز العربية رباعيا فقط، بل يطلب تسميع النسب لعشرة أجداد مثلا، ليعرفنا آباءه في هذه القرون ويوسع مداركنا بفوائد من ذلك .. ولا يفهم أهمية هذا كل أحد.


وليس كل تخصص مطلوبا للنزالات على نفس الأهمية، فهناك علوم غير نافعة كغيرها، وعلوم يتهربون بها، وهناك مخدرات معرفية ومساحات ركود آمنة ووو.. لكن الغرض بيان أهمية إتقان الترتيب، فحالنا ليس مشاجرة في طريق، بل تطاحن مادي وبالعلوم والأدوات والأفكار ، ويلزمه وعي حضاري وثقافي لفهم التحالفات والأنماط المناوئة وعدم دخول محارق وو ..


... وكان زعماء بلد من البلدان يجتمعون لبناء دويلتهم، واكتشفوا أنهم لا يعرفون يقينا ماذا ينبغي فعله، أي ورقة ونقطة بدء ولماذا..وبدل التكبر والتعجل.. قرروا جعل التعلم أول هدف مرحلي لعامين، ورفع مستواهم العقلي وخبرتهم وتوسيع مداركهم ليمكنهم استيعاب كيفية ترتيب الواجبات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق