((كنتم أمواتا فأحياكم))
تشكره لحياتك، لأنك ذقت معنى الوجود .. الوعي.. العقل.. الحس.. الشعور... ولأنك سيد كونك..
وتحمده لحياته هو وقيوميته ورعايته وعنايته، وعدم تركه لك تحت سطوة عبد .. تحمده لأنك عرفته هو ... تحبه بجلاله وكماله...بسبق حبه.. ومركوز الحب فيك.. ولأنه عرفك بذاتك ووهبك إياها..
اثنان دخلا مكانا ما، فقال أحدهما كل ذرة هنا مصادفة، هذه الطائرات والغواصات والموائد والرفاق والفنون والعلوم والغوامض ..
وقال الآخر
كل شيء هنا معد ومرتب ونظيف، ومحكم في دورانه وصنعه.. متكامل ومتجدد، ومهيأ بتوازن وتناغم وتدافع وتنوع!
إتقان وروعة تصوير... والجمال ليس جانبيا ولا عرضيا ولا هامشيا....
الجمال هنا يدلك على صاحبه.. وأما الشرور هنا فيبدو تماما أنها ليست الأصل، التكامل والصحة والسلاسة والاعتدال والتوازن هم الأساس والأعراض بلوى.. سبحانه تعالى تركها عمدا لغاية، وهي تدلك على جلاله وقوته وقهره، وإرادته الاختبار بها...
قال: كأنما من صنع المكان كما أنعم علينا يريد أن يختبرنا..
.. في نهاية المطاف وصانا دامع العينين وهو يمنحنا خلاصة تفكيره لما علم قرب الرحيل ..
قال وهو يموت:
أنتم مني وأنا منكم، وقد فضلكم ربكم بالهدى فلا تضيعوا هذه المنة... لكم محبتي وسأفتقدكم..
اهتموا ببعضكم وبرباطكم الوثيق معا..
تجاوزوا نزغ الشيطان، وتعلموا الاعتذار وإقالة العثرة وقبول الأسف والقصورالإنساني، فكلنا نرمم بعضنا، ونكمل بعضنا ونتفهم ونتقبل، ونتسامح في الهفوات.
وهذا فيه جمال رغم أن سببه نقص! لكن جبر الكسر جميل ومحاولة البناء كل مرة جميلة ..
المخلصون مهما اختلفوا.. عليكم رعاية بعضكم نفسا ومادة.. الصادقون كنز لا تقللوا اهتمامكم بهم ..
اعرفوا قيمة منحكم الوجود في الكون بروح الله، وعظمة نعمة الإمداد والتكريم وشرف التعليم! والبيان! ، وهبة الوعي ومعرفة الخلاق ورسالاته ..
لا تبذلوها إلا لله تعالى، لتستريحوا عند تسليمها ولا تندموا..
فقط للنفيس.. للجنة والآخرة التي أحس بها وأراها ...
لا تلقوا بها رخيصة وتستهلكوا أنفسكم في سفاسف هامشية ودنايا أو قصاصات جانبية، ولا تركزوا على حظ نفوسكم في كل موقف، ولا تضيعوا وقتكم فيما يبدده ولا نفع فيه..
المتعة لحظة والقيمة خلود .. ركزوا مع الخير والسعادة بالخير فهذا مفتاح متعة الأبد...
اعرفوا الحق واعتصموا واستمسكوا واصبروا!
لستم مطالبين بإسعاد كل الناس حتى من انحرفوا منهم، بل ربكم الله وحده، والقضاء غالب والقدر المحتوم المبرم نافذ ، عليكم بالتصبر والرضى وطلب شرح الصدر وفهم النعمة وقبولها والعون على شكرها..
ضعوا غايات كبيرة أمامكم، وحددوا أهدافا أولى ورغبات هامة عظيمة، ولا تلتفتوا لما يعطلكم عنها بسبب غضب أو استفزاز، أوحتى بسبب خسارة حقيقية أو رغبة عابرة أو حبل هوى... تعلموا التضحية لتنقذوا أرواحكم من قيود العلائق والعوائق.
كل هذا لأن الحياة تجري سريعا وتتفلت، وستطير من بين أيديكم لو تكاسلتم ولعبتم، ولو ركزتم مع الأقل في الفضل تهدرون جهدكم... ولو تشتت ذهنكم بكل شاردة وواردة من الأغيار كذلك، أو اهتممتم بأخذ كل حق لكم مهما كان، وتأديب كل مخطئ في حقكم، ونيل كل أمنية زائلة من الرغائب.. فلن تحققوا ما رجوتم من الجمال، ولن تشعروا بالراحة النظيفة الطاهرة الراقية الواعية عند تسليم الأمانة لصاحبها... فالثبات عند السفر للبرزخ جائزة الصلاح أثناء السعي.
طريق القلوب إلى الله تعالى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق