الجمعة، 24 أبريل 2015

فصول في الغيرة والنهي عن الدياثة السياسية والكتابية والاجتماعية، محليا وعالميا :

هناك ارتباط بين كل أنواع الغيرة، العامة والخاصة..

قال القاضي عياض:

الغيرة: 
"هِيَ مُشْتَقَّة مِنْ تَغَيُّر الْقَلْب وَهَيَجَان الْغَضَب بِسَبَبِ الْمُشَارَكَة فِيمَا بِهِ الِاخْتِصَاص،

وَأَشَدّ مَا يَكُون ذَلِكَ بَيْن الزَّوْجَيْنِ، هَذَا فِي حَقّ الْآدَمِيّ!"…  انتهى كلامه.

قال النووي:
 
"وَالْغَيْرَة صِفَة كَمَالِ!"

وقيل: لا كرم فيمن لا يغار..

وقال الشاعر:

إن الكريمة ربا أزرى بها..

لين الحجاب وضعف من لا يحزم..

وكذاك حوضك إن أضعت فإنه..

يوطأ ويشرب ماؤه ويهدم..


قال ابن القيم رحمه الله:

إذا ترحلت الغيرة من القلب فقد ترحل الدين كله..!"

قال ابن القيم كذلك مبينا الارتباط  : 

" ... وَلِهَذَا كَانَ الدَّيُّوثُ أَخْبَثَ خَلْقِ اللَّهِ،

وَالْجَنَّةُ حَرَامٌ عَلَيْهِ،

وَكَذَلِكَ مُحَلِّلُ الظُّلْمِ وَالْبَغْيِ لِغَيْرِهِ وَمُزَيِّنُهُ لَهُ،

فَانْظُرْ مَا الَّذِي حَمَلَتْ عَلَيْهِ قِلَّةُ الْغَيْرَةِ.

وَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ أَصْلَ الدِّينِ الْغَيْرَةُ، وَمَنْ لَا غَيْرَةَ لَهُ لَا دِينَ لَهُ،

فَالْغَيْرَةُ تَحْمِي الْقَلْبَ فَتَحْمِي لَهُ الْجَوَارِحَ ، فَتَدْفَعُ السُّوءَ وَالْفَوَاحِشَ ،

وَعَدَمُ الْغَيْرَةِ تُمِيتُ الْقَلْبَ ، فَتَمُوتُ لَهُ الْجَوَارِحُ ؛ فَلَا يَبْقَى عِنْدَهَا دَفْعٌ الْبَتَّةَ.

وَمَثَلُ الْغَيْرَةِ فِي الْقَلْبِ مَثَلُ الْقُوَّةِ الَّتِي تَدْفَعُ الْمَرَضَ وَتُقَاوِمُهُ ، فَإِذَا ذَهَبَتِ الْقُوَّةُ ، وَجَدَ الدَّاءُ الْمَحِلَّ قَابِلًا ، وَلَمْ يَجِدْ دَافِعًا ، فَتَمَكَّنَ، فَكَانَ الْهَلَاكُ ، -يتحدث عن المناعة رحمه الله-

وَمِثْلُهَا مِثْلُ صَيَاصِيِّ الْجَامُوسِ الَّتِي تَدْفَعُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ، فَإِذَا تَكَسَّرَتْ طَمِعَ فِيهَا عَدُوُّهُ "
انتهى من "الجواب الكافي" (ص: 68) . 

وهو هنا يشير لارتباط حرارة القلب ببعضها، ولاتصال أنواع الغيرة ببعضها،

لاتصال الغيرة والحمية والحماسة القلبية بالانتماء الشديد لما يؤمن المرء به، ولما يحرص عليه عموما، هذا إذا كانت النفس سوية والعقل غير مشوه، ولا يوجد انفصام ولا مرض بالقلب أو آفة تتلفه، 

كل هذا لاتصال الغيرة بالولاء للدين والرغبة في حفظه وصيانته، وكراهية المساس به بسوء…

لاتصالها في ظل الفطرة السليمة بالحفاظ على القيم عموما، وعلى المبادئ ومعالم الصواب ومعاني الحق كافة، 

لاتصال الغيرة السوية بوجود المشاعر المفعمة الحقيقية الجياشة، لا العابرة ولا اللزجة ولا الهستيرية..

  لاتصالها بأخذ الحق بقوة ودوام ذكره! ، وبالاستمساك الجازم، وعدم الترهل ولا فقدان المسؤولية.. ، بعدم الاستخفاف وعدم الاستهانة عامة في أخذ الأمور… 

لاتصال حياة القلب وغيرته بالحرص والتماسك والجدية والحزم عموما،

فمن لم يغضب غيرة لدينه ولنبيه صلى الله عليه وسلم أن يسب، فقد يتنازل عن عرضه وعرض غيره بسهولة داخل نفس المنظومة الفكرية!  ما لم يكن لديه بواعث بيئية أخرى…

وتراه أصيب بالبرود المقيت في كل قضية، ولا يتمعر وجهه لفضائية أو لأرضية... بدعوى : الكثرة!   وحقيقتها : البلادة، بسبب الألفة، والألفة تحدث بعد المقاربة والتميع...
فلا غربة ولا غضب ولا براءة ولا نفور ولا قرف من البذاءات والجاهليات المتراكبة والظلمات ،
بل عنده تفهم للباطل ومنطقة نسبية إبليسية، تساوي بين ما هو نسبي حقا وما هو ثابت خالد أبدا،

ولو عاش مع القرآن ولو في عزلة شعورية، وفي عكوف وتحلية وتخلية آناء الليل وأطراف النهار لما كان هذا حاله.. ،

مثل هذا لن تجده بعد ساخطا غاضبا من أمور شخصية إلا لحظ نفسه..

ومن مورثات البلادة: 
الوصول للجرأة والاستحلال والغرور والإباحة والإصرار

قال ابن القيم كذلك :

" كُلَّمَا اشْتَدَّتْ مُلَابَسَتُهُ لِلذُّنُوبِ أَخْرَجَتْ مِنْ قَلْبِهِ الْغَيْرَةَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَعُمُومِ النَّاسِ،

وَقَدْ تَضْعُفُ فِي الْقَلْبِ جِدًّا حَتَّى لَا يَسْتَقْبِحَ بَعْدَ ذَلِكَ الْقَبِيحَ لَا مِنْ نَفْسِهِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ ، وَإِذَا وَصَلَ إِلَى هَذَا الْحَدِّ فَقَدْ دَخَلَ فِي بَابِ الْهَلَاكِ " انتهى . 

قال ابن قدامة في المغني: 
"روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أتعجبون من غيرة سعد؟؟ لأنا أغير منه، والله أغير مني..

وهذه هي الغيرة المحمودة، الواجبة، المتسقة مع الغيرة لانتهاك المحارم عموما ، للدين كله…

غيرة الفرسان!  النبلاء.

وعن علي رضي الله عنه قال: بلغني أن نساءكم ليزاحمن العلوج في الأسواق، أما تغارون؟ إنه لا خير في من لا يغار.

وقال محمد بن علي بن الحسين:
كان إبراهيم عليه السلام غيوراً، وما من امرئ لا يغار إلا منكوس القلب. " انتهى.

إذا: 
"فأفضل أنواع الغيرة وأحسنها الغيرة على محارم الله : حيث يغضب المرء ويثور إذا انتُهِكت المحارم واقتُرِفت الآثام وتُعدِّيت الحدود...

وعن المعنى العام للغيرة العامة! ... المفقود والمفقودة "والنادر لا حكم له.." : 

قال ابن حزم رحمه الله :

" الغيرة خلق فاضل متركب من النجدة والعدل ؛ لأن من عدل كره أن يتعدى إلى حرمة غيره ، وأن يتعدى غيره إلى حرمته ، ومن كانت النجدة طبعا له حدثت فيه عزة ، ومن العزة تحدث الأنفة من الاهتضام "
انتهى من "مداواة النفوس" (ص 55)...

ونحن نرفل في ظل الاهتضام المحلي والأجنبي... حيث تطحننا رحاه بلا رحمة، ونحن المتهمون!  بل المدانون،
وحرام علينا الغضب والغيرة!  أو تأسيس دولة عدل ببلادنا أو السعي للهجرة.. لعندهم يعني!!!  وليس لدار إسلام فقط.. ، بل الغرق حري بنا في عرفهم! فهم لا يريدون انقاذنا ... والأولى منعنا من ركوب قوارب الموت، لكيلا نموت بالبحر فنلوثه ونحرجهم أمام قلة شريفة لا يرضيها حالهم.

نعود للغيرة: 

" الغيرة صفة محمودة، ولا خير في من لا يغار!

بل إن قلبه منكوس"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق