الخميس، 24 مارس 2016

"لَعَمْرُكَ، ما بالأرض ضيقٌ على امرئٍَ  **سرَى راغباً أو راهباً، وهو يعقلُ!"

من قصيدة لامية العرب، للشنفرى

التربية المستمرة حقيقة، مثل التعليم المستمر في معايير الجودة، وتجاهلها لا يلغيها، بل يحدث فجوة بقدرها

والتربية ليست -عادة- فترة للقعود، ليؤجل السعي دونها، بل هي  منه ومعه وفيه..

والسائر والسالك والفارس والراجل والمحصور وابن السبيل والكبير والصغير  كلهم بحاجة للتعليم والتربية باستمرار، كحاجتهم للطعام والشراب، دون انقطاع للطعام والشراب بلا شك..

وهذه القصيدة نضع عيونا منها كلما تيسر، وهي التي نذكر الكرام دوما بأن أجدادهم العظماء والنبلاء والصالحين حثوا على تعليمها للصبيان، بعد تعليمهم أساسيات الكتاب والسنة، أي بالتوازي مع بقية التعلم، وكجزء منهجي ربما افتقدناه في الصغر...

ليس هذا  فقط لأن هذه الملحمة أو هذه المعلقة غير المتوجة تفيد الناس في فهم كلمات الكتاب والسنة ومعرفة قدرهما، بصفتها قصيدة متينة ومدرسة لغوية، كلا... فهذا القدر من البيان تشترك فيه هذه القصيدة مع بقية نفائس ديوان العرب المهمل، والتي حث العلماء والحكماء على تعلمها فعلا، لفهم القرآن، كما ورد ذلك عن أكابر علماء الصحابة- رضوان الله عليهم- فمن دونهم من الأئمة...

بل لأن هذه التحفة الأدبية لها أهمية خاصة...
كل هذا  نظرا لقيمتها المعنوية العالية، في مضمونها، وليس في شكلها وبلاغتها فقط ككثير من شعر ما قبل الإسلام، فسبب اهتمامهم بها هو توازي معانيها مع ما يراد تحقيقه في عالم النفس والكمال الإنساني، وهو أن يكون المعدن البشري نفيسا وخيرا وسامقا، ومن ثم يكون ذا صلابة وقيمة عالية حين يسبك في إطار أمته، وحين يوكل إليه شأن ما أو غرس فسيلة ما، كما كان الصحابة- رضوان الله عليهم - حين أخذوا من خير ما عرفوه ونبذوا القبائح...

فقد تعلمهم هذه المعاني كيف ينبغي أن يفكروا وأن يشعروا! وأن يصبروا...وألا يكونوا مدجنين ولا هباء منثورا....

وقد تهذب الاعتبارات والقدوة نفوسهم، وترتقي بهم عقلا بالاستقلالية الذهنية والشخصية، المفقودة في طاحون التقليد الأعمى والتقمص والهرولة ...، والتي لا تنفي الآداب والتؤدة  والمروءة،  كما هو واضح في طيات القصيدة، وبهذا وغيره تسمو بمكارم الأخلاق، التي أتت لتثبتها وتتمها رسالة الإسلام الخاتمة، ولتعيد تقريرها..

وهذه القيم هي التي ينبغي تكرارها بكل السبل والأساليب، للدراسة والترويح، وينبغي المداومة على الاستقاء منها ومن أمثالها، كما كان الحداة مع القوافل يفعلون، بدل الإسفاف والابتذال والخواء....

فالأخلاق بمفهومها الواسع إنما هي الأنوار التي لا تستقيم الخلائق على صبر طريق العقيدة أو حتى على فهمه أو مناقشته! دونها، ولا تقدر على فهم الواقع وإدراكه ومعايشته دونها..

فالعقل قد لا يدرك الأمور مستقلا عن الممارسة ولا مستقلا عن القوة النفسية ونوع الشخصية... وقد لا يفاضل العقل بين الخيارات منعزلا كذلك...

فالإنسان وحدة واحدة وليس أجزاء ولا مراحل نمطية..وقد فقدنا كثيرا في عملية المسخ الممنهجة والمستمرة...ولعل أي وسيط يبسط لمن تلاه، وهذه أموربسيطة الكلفة عظيمة الأثر، وتتوازى ولا تتقاطع مع أي مشاريع جليلة وآنية منعا للمزايدات..

"ولكنَّ نفْساً حُرَّةً لا تُقيمُ بي = على الذمِّ إلاَّ ريْثَمَا أتَحَوَّلُ"

#اللغة تربي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق