الأحد، 17 مايو 2015


فقرات من تقرير موسسة مدى مصر:

واحدا تلو الآخر رفع كل من المتهمين الثمانية صوته من داخل القفص بعبارة اختلفت قليلا في صياغتها: "أنا لا أحتكم لقوانين وضعية ولا أعترف إلا بمحاكم شرعية تقيم شرع الله".

وبينما ذكر المتهمون الثلاثة المقبوض عليهم منذ العام الماضي أنهم تعرضوا للاحتجاز والتعذيب في العزولي قبل شهور على ارتكاب الجرائم التي تتهمهم السلطات بالتحريض عليها، فإن أوراق القضية تُظهر بوضوح كيف سار محققو النيابة العسكرية على أطراف أصابعهم حول هذه النقطة تجنبا للإشارة حتى إلى اسم السجن في أوراق التحقيقات. ففي محضر سماع أقوال ضابط الأمن الوطني كريم فاروق الذي أجرى تحريات وزارة الداخلية عن خلية عرب شركس يسأله محقق النيابة العسكرية: "ما قولك فيما قرره [المتهمون الثلاثة] من أنهم وقت ارتكاب الجرائم كانوا رهن الاحتجاز؟"، دون تسمية سجن العزولي الذي يفترض عدم وجوده أصلا من الناحية الرسمية. في حين يصر الضابط في إجاباته على الإنكار ويشدد على أن المتهمين جميعا أُلقي القبض عليهم داخل مخزن عرب شركس.

جميع محاميّ الدفاع عن هؤلاء المتهمين الثلاثة طالبوا المحكمة العسكرية في جلسة يوليو الماضي بتنحية اعترافات موكليهم الأولية جانبا وعدم الاعتداد بها نظرا لانتزاعها نتيجة التعذيب، وقالت إحدى محاميات الدفاع إن موكلها كان معتقلا داخل العزولي "الذي تحول إلى أبو غريب مصر" وقت ارتكاب الجرائم المزعومة. في حين شدد محامو الدفاع على أن الفاعلين الأصليين في الهجمات الثلاثة محل المحاكمة هم الستة الذين قتلتهم قوات الجيش خلال تبادل إطلاق النار في مخزن عرب شركس، وأن المتهمين الثمانية المحبوسين ينتمون إلى ما سماه أحد المحامين في مرافعته "المخزون الاستراتيجي لوزارة الداخلية" في إشارة إلى متهمين كانوا في السجن أصلا وقت ارتكاب الهجمات، أو ألقي القبض عليهم في مواضع أخرى بعدها من أجل تقديمهم للمحاكمة.

كما تُظهر أوراق القضية أن تعذيب المتهمين لم يقتصر على سجن العزولي. فالمتهم خالد فرج الذي يقول إنه قد ألقي القبض عليه في منطق غمرة في يوم 19 مارس الماضي، مثل أمام النيابة العسكرية على كرسي متحرك في اليوم التالي لضبطه، وأخبر المحقق بأنه تعرض للتعذيب في اليوم السابق عن طريق الضرب في رأسه وأنحاء متفرقة من جسده في مكان لم يستطع تحديده نظرا لأنه كان معصوب العينين. ودوّن المحقق العسكري في محضر التحقيق أنه "بمناظرة المتهم تبين وجود سحجات وكدمات بالوجه والفم ووجود آثار سحجات باليد اليسرى واليد اليمنى" وأنه سأل المتهم عن سبب وجوده على كرسي متحرك فأفاد "بوجود كسر بقدمه اليسرى بسبب ضربه أثناء القبض عليه".  وقررت النيابة العسكرية في نهاية التحقيق إحالة المتهم للكشف الطبي لبيان إصاباته. وفي التقرير الطبي الموجود بملف القضية والمؤرخ في 1 أبريل الماضي ذكر طبيب سجن مستشفى ليمان طرة أن المتهم خالد فرج "يعاني من كسر في عظمة الفخذ الأيسر وكسر في ردفة الركبة اليسرى وكدمات في أماكن متفرقة بالجسم، وتم إعطاؤه علاج تحفظي وتم تحضيره لإجراء جراحة وتم إجراء جراحة تثبيت كسر الفخذ داخليا بواسطة شريحة ومسامير واستئصال لعظمة الركبة اليمنى جزئيا وتثبيت جزء منها بأسلاك". واضطرت النيابة العسكرية للانتقال إلى مستشفى سجن طرة في 16 إبريل لاستكمال التحقيق مع المتهم الذي قال في التحقيق: "أنا كل أقوالي السابقة كانت تحت التعذيب والتهديد". وقررت المحكمة أمس إحالة أوراق خالد إلى المفتي تمهيدًا لإعدامه.

قبل شهر ونصف على صدور قرار المحكمة أمس، لم يبدُ المتهمون مكترثين كثيرا بالحكم المتوقع أو مطمئنين إلى استقلال المحكمة. فخلال استراحة للمحكمة استغرقت قرابة نصف الساعة في جلسة 6 يوليو، في منتصف أحد أشد الأيام حرارة في شهر رمضان، تحدث أحد المتهمين من داخل القفص إلى والده الذي عاتبه على الإصرار على الاحتكام فقط إلى "شرع الله" ورفض الاعتراف بشرعية المحكمة. المتهم الشاب قال موجها حديثه إلى والديه وإلى «مدى مصر» سويًا وفي هدوء واضح: "أنا باقول اللي أنا عايزه والمحامي بيقول اللي هو عايزه وفي الآخر الحكم هييجي للقاضي داخل مظروف. دي قضية سياسية مش جنائية".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق