حين تربي وسائل الإعلام وهيئات التعليم الأطفال والكبار على التفكير العلمي ونبذ الخرافات وترك القفز فوق الحقائق، واحترام التخصص وحب المعرفة والأدب! تكون قد وضعت لبنة أخلاقية للنهضة..
أرسل إلي أحد الأحبة من أهلي يشكو من الصعوبات في الاختبارات،
وفي نفس الوقت أرسل أخوه الطبيب يشكو جدال المرضى
بنفس طويل في الجهل، يفتقر لأبجديات التعليم الأساسي
ولاحترام معرفة الطبيب! ويشكو اضطراره للمواءمة غير المريحة لضميره العلمي ..
وشعرت أن بين البوح هنا وهناك صلة ورابطا..
لقد رأيت صفحات من كتاب الطالب الشاكي، والتي ألفها أستاذ
ممن نجحوا بالطرق العقيمة المتحجرة، ممن لا يفعلون شيئا بحثيا أكاديميا ذا بال في الأوساط العلمية، إلا أنهم كالديناصورات المعرفية التي لا تطور ولا تبني جيلا فاهما، ولا تسمح بأن يأتي من يحدث المسألة التعليمية في القسم ولا أن يأتي من يضيف ويطور من غير أبناء الزملاء وو....
والصفحات التي رأيتها من الكتاب لم تزدني إلا قناعة بما عشته! هي صفحات تمس الطب، وتتعرض لخلفية عن التطعيمات وعلم النفس السلوكي، وأمورا تخص صحة الطفل وسلامة عقله وغير ذلك..
ليس سبب صعوبة الامتحان هو صعوبة الأسئلة وقوتها، بل هو سوء عرض المادة العلمية أصلا، ثم تعقيد الشرح والخلل في الطرح ..
ثم يأتي السبب الثاني، وهو العقد النفسية عند بعض الأساتذة،
والذين يطبعون كتبا ما هي إلا كلام مفكك وعناوين وفهارس،
وسرد مختصر غير مترابط منطقيا، ولا مفهوم له!
فكأنه شخص يحكي قصة سمجة، وهو غبي في تخصصه!
متسع بلا عمق، ومتعجرف في أسئلته بغير حق، ويريدون أن يجيب الطالب سؤالهم بطريقتهم وربما بألفاظهم، ويطلبون منه الاعتماد على الحفظ والترداد دون استيعاب حقيقي ودون
تعليل وفهم وابتكار ..
وأما المشكلة الثانية والتي تتلخص في أن يكون هناك مريض جاهل يماري بمحمق وحمية! فهي:
نفس المنظومة:
الإعلام والتعليم والثقافة السائدة..
ثم تصبح المنظومة ذات قصور ذاتي لا يحتاج للحكومات الفاشلة والخائنة، ويكمل الناس إتلاف بعضهم ببعض
ويبدأ التخريف عبر شبكات التواصل وتأليف العلوم والمعارف والنصائح،والإفتاء بغير علم في كل فن..
الجاهل الممسوخ ليس لديه من العلم ما يكفي ليعرف أنه جاهل وليدرك أن ما يعرفه مجرد قشور لا ترفع جهله ولا تكفي ليتكلم في المسألة..
وليس لديه من الأدب والتواضع ما يكفيه ليعترف بجهله!
و لا علموه أن العلم ليس مقالة تقرؤها، أو لقمة عاجلة تلتقطها أو معلومة مخطوفة مختصرة..
المريض يأتي أحيانا مقتنعا بنوع مرضه وتشخيصه!
ومقتنعا بالعلاج الذي ينفع والذي لا ينفع!
ويجادل بشكل عبثي وليس جدال متعلم..
ويلوم الطبيب لو لم يتحسن لأنه لم يكتب كذا!
ولا يريد أن يستمع بتوازن..
وأحيانا يفتي المريض لغيره كطبيب!
ويصحح العلم!
ولا يعي أنه ليس لديه ما يكفي من المعرفة
ليدرك أن العلم لا يأتي بهذه السرعة، وليعلم
أن الاستنتاج العلمي لا يأتي بهذه العجلة، ولا بهذا التسطيح والاختصار!
بطريقة حدث كذا إذا هذا مفيد وهذا ضار!
ولا يكون الاستنباط العلمي بهذا الجزم أصلا !
ولا بهذه المحدودية من خبرة بكم حالة دون معايير..
ورابط الجهل وسوء الخلق بين الحالتين واضح،
وقد يمتد هذا النمط المتخلف لحالات علمية دينية، في الفقه والاعتقاد مثلا،
حيث يطلب منك أحد الكرام دليلا إرشاديا ليصير عالما أو طالب علم وداعية نافعا، فتقول له ما علمناه أن أول مراتب العلم التي تطلب من أي شخص طالب لهذا الهدف الأسمى، بعد أن يدرس أصل دينه ومعالم الإيمان وضرورات الفقه، هي أن يعي القرآن الكريم كاملا
في صدره، وأن يختم تفسيرا سنيا سلفيا إماما في مجاله، ويستكمل قدرة في علوم اللغة وما يلزم من الأصول وعلوم الآلة عامة،
وينهي شرحا كاملا للصحيحين، وموسوعة للتراجم ليكتسب الذوق الشرعي لا الصوفي.. وأن يلم بالواقع جيدا! بدراسة وافية ومنهجية دقيقة، وليس مجرد الاطلاع على مقالات وشطحات ومن ثم يلم بالأفكار السائدة لا البائدة ويستوعب مدارس عالم الصراعات الفكرية حوله ومداخل الاتجاهات وخصائصها.. وواقع الناس واحتياجاتهم..
هذا ليكون مؤهلا للاستنباط والاجتهاد!
فإذا به ينشغل بالقفز فوق المراحل وطلب التصدر واللجج والمماراة، ومن عجب أن نفسه يطول بعيدا ويقصر في غرضه!
وقد تتشوش نيته وتأخذه العزة بالإثم...
وهذه الأخيرة زائدة على مشكلة الأستاذ الظلوم الجهول والمريض العيي المجادل ..لأن عالم الروح له عقوباته الخفية كما أنه له سماته اللطيفة العلوية.
ونسأل الله السلامة والعافية .