الأربعاء، 7 أغسطس 2013

الثقافة! والدين

--"إذا هجر المثقفون ثقافتهم جَهِلوها، فضاع إيمانهم بها، و زَهِدوا فيها، واختلفوا؛ فمِنْ متشاغل عنها بماديات حضارته وكأنها لُغْزٌ يُعَنّتُهُ النظرُ فيه، ومن مُدْبِرٍ عنها إلى غيرها من الثقافات وكأنها عارٌ ينبغي أن يتبرأ منه، ومن مُقْبِل عليها بالتحريف وكأنها قَرْزَمَةٌ ينبغي أن يهذبها- حتى إذا ما تَيَسَّرَ لبعضهم أن يستوعبها حتى تملأ عليه أقطارَ نفسه؛ فيؤمن بها حتى يصير هو نفسُه مَظْهَرَ كُنْهِها، ويحرصَ عليها حتى يصيرَ هو نفسُه لسانَ حالها- أقبل يتأتى إلى تعليمها ويغري المثقفين بمراجعتها." محمد صقر---
" و رأس كل ثقافة هو الدين بمعناه العام، والذي هو فطرة الإنسان، أيّ دين كان- أو ما كان في معنى الدين- وبقدر شمول هذا الدين لجميع ما يَكْبَحُ جُموح النفس الإنسانية ويَحْجِزُها عن أن تَزيغَ عن الفطرة السَّوية العادلة- وبقدر تَغَلْغُلِهِ إلى أغوار النفس تغلغُلًا يجعل صاحبها قادرا على ضبط الأهواء الجائرة ومريدًا لهذا الضبط- بقدر هذا الشمول وهذا التغلغل في بُنيان الإنسان تكون قوة العواصم التي تعصم صاحبها من كل عيب قادح في مسيرة "ما قبل المنهج"، ثم في مسيرة "المنهج" الذي ينشعب من شطره الثاني، وهو شطر التطبيق"( كتاب المتنبي).


""يومئذٍ كان قد مضى على فتح القسطنطينية قَرْنان، مئتا عامٍ... ويومئذٍ آنَس قلبُ دار الإسلام رِكْزًا خفيّا فأرهفَ لهُ سَمْعه. سمع نَقيضَ أركانِ دارِ الخلافة وهي تتقَوّض؛ فتوجَّس توجّسًا غامضًا لشرّ مستطير آتٍ لا يدري من أَيْن، فهبَّ من جوف الغَفْوةِ الغامرة أشتاتٌ من رجالٍ أيقظتْهم هَدَّةُ هذا التقوّض، فانبعثوا يحاولون إيقاظ الجماهير المستغرقة في غَفْوتها. رجالٌ عظامٌ أحسّوا بالخَطر المُبْهَمِ المُحْدِق بأُمَّّتهم، فهبّوا بلا تَواطُؤٍ بينهم. كانوا رجالًا أيقاظًا مُفَرَّقين في جَنَباتِ أرضٍ متراميةِ الأطراف، متباعدةٌ أوطانُهم، لا يجمعهم إلا هذا الذى توجَّسوه في قرارةِ أنفسهم مبهمًا من خطرٍ مُحْدقٍ. أحسّوا الخطرَ فراموا إصلاح الخَلَل الواقع في حياة دار الإسلام: خَلَلِ"اللُّغةِ" و"خلَلَ العقيدة" و"خَلَل علوم الدين" و"خَلل علوم الحضارة" . وبأناةٍ وصَبْر عَمِلوا وأَلَّفوا وعَلَّموا تلاميذهم، وبهمةٍ وجدّ أرادوا أنْ يُدْخِوا الأمَّة في" عصر النهضة"، نهضةِ دار الإسلام من الوَسَنِ والنومِ الجهالةِ والغفلة عن إرث أسلافهم العِظام. من هؤلاء خمسةٌ من الأعلامِ أذكرهُم لكَ هنا مجرَّد ذِكْرٍ باختصار :
البغدادي، صاحب" خزانة الأدب" المتوفى سنة ثلاث وثمانين وستمائة وألف.
الجَبَرْتي، الكبير المتوفى سنة أربع و سبعين وسبعمائة وألف في مصر.
ابن عبد الوهاب، المتوفى سنة اثنين و تسعين و سبعمائة و ألف في جزيرة العرب.
المُرْتَضى الزَّبيديّ، صاحب" تاج العروس" المتوفى سنة تسعين وسبعمائة وألف في الهند.
الشَّّّوْكاني، اليمني المتوفى سنة أربع وثلاثين وثمانمائة وألف.

وإذا أنعمت النظر في هذه التواريخ علمت أنَّ "عصر النهضة" عندنا واقعٌ بين منتصف القرن الحادي عشر الهجري إلى منتصف القرن الثاني عشر، و يقابله منتصف القرن السابع عشر الميلادي إلى أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، تذكّرْ هذا ولا تنسَهُ أبدًا ؛ فهو الذى يكشف لك اللّثامَ عن التغريرِ الفاضح الذي طفَحتْ به حياتُنا الأدبيةُ الفاسدةُ المهلكةُ( كتاب المتنبي)."

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق