كأنما كنا في مشفى كمرضى وليس كأطباء.. وكان حزينا يتلمس مواساة لأنه يتمنى منزلة لا تسعفه حالته لينالها... وقال انصحني ولنتدارس آية لنعمل بها..
... ينبه القرآن لأنك لست محتاجا لمعجزة جديدة لتؤمن بسببها أو ليتقوى يقينك عندما تراها، أو معجزة لتتزود بالثقة والتسليم الكافيين وتثبت! فتصبر أنبل صبر أمام الشرور، كسحرة فرعون حين آمنوا فقدموا درسا للبشرية ..
يقول القرآن الكريم ما معناه أنه معك نضج إنساني ورزقك خالقك الوعي والمواهب ومعك قرآن! وبلغك الخبر السابق بالمعجزات وأمثاله من حال آيات النبيين يقينا تاريخيا صلى الله عليهم جميعا وسلم ... بلغك حال أيام الله تعالى فاذكرها تذكرك...
عليك أن تشغل عقلك وتوقظ قلبك وتغسل نفسك ليسلم القلب من الالتواء والتلف... ومن ثم تفوز على كل هذا التراب والكير..
الجمال أن تعلو روحك على المادة والمغريات والعلائق والدعة والمخاوف... تعلو على ثمن جسمك وتعبه وحياته .. وتعلو على خصمك البشري وعلى شيطانك وكل دنياك والهوى وتحلق كالملائكة شاهدا ..
أنت تصبح وتمسي والآية المطلوبة حولك وأكثر، ولكن عليك النظر ... لن نذكر أعجوبة ظاهرية لكائنات ملونة ... بل قطعة أرض صغيرة فارغة..ينوه القرآن للأرض..
ينظر المرء لقطعة حجر فيظنها مجرد كتلة أو صخرة جامدة رغم أنها إبداع لا نعرف نهايته، وبها فراغات وطرق يجري فيها مليار إلكترون بسرعة أكبر من الطائرة وبدون صوت مسموع لك... وكل له خطوط ومدار ويهتز بنظام دقيق وهي ثابتة بيدك، وبها شحنة لا تحس أنت بها وبها طاقة كامنة مهولة لو فككت روابطها لمحت ما حولها.. ورغم ذلك تبدو هامدة لا يظهر لها أثر ملموس . وهي كما ترى بعقلك وقلبك تسبح ربها وتسجد له.. ((.ألم تر أن الله يسجد له ....)) تعالى الله عما يصفون... ما هذا عبث
ومن هذه الحصاة المستديرة ما بداخله عوالم ميكروبات صغيرة حجما لا تعزب عن ربك وكلها في كتاب مبين ... وتتوازن مع العالم الكبير دلالة على خالق واحد جليل.
.. ربما بها فيروس ينام ألف سنة ويصحو ليصيب من كتب له.. أو بكتريا تتنفس وتأكل وتتكاثر وتصاب بأزمات وأنت لا تدري وربها يدبر فهي تتهيأ عند الظروف بسور حولها وبجدار تصنعه وتلصقه فورا وتصوم! وتبني وتجمع وتربط بالكيمياء والفيزياء ... حائط دهن. حائط بروتين. وحبل طويل حمضي الهوية .. ليست مصمتة إلا أمام للجهال.. وهي تشهد بالفاطر البديع للعلماء المتواضعين...وتعطي درسا للسعي.
هل تصدق أن الجبال العملاقة والبحار الواسعة تطير في السماء مع الأرض (وكل في فلك يسبحون)... لهذا يأمرك القدوس أن تسبح.. لهذا ومثل هذا ومع هذا..لكي توافق الحق، ولكيلا تيأس ولا تختنق ولا تكتئب، ولتعلو وتصابر، ولكي تختار مولاك مولى لك وحاكما ومعبودا أوحدا وتخلص مما سواه .. تحبه فتبيع مهجتك لتراه.. لترى رضاه.. خضوع الكون يتآلف ويصاحب خضوعك ويؤنس وحشتك..