السبت، 17 سبتمبر 2022

نصيحة للدعاة و المربين وقت فشو الطغيان وتشتت التابعين

هذه رسالة طويلة نصحت بها نفسي الخاطئة ونفرا من أحبتي، ورأى بعضهم بثها للفائدة/

 أخي المربي:

 أنت مؤتمن، فلا تطلق العنان لمشاعرك دون رؤية العواقب لاحقا. 

لا تنهر من ترعاه عن خطأ اعتاده بسخط يجرحه هو، أو بصدام حاد مع عاطفته وثقافته الضحلة "قبل أن تكون ربيته ونبهته مرارا، وعلمت ما يقومه ويجدي معه"

 
اعلم أن أنبل الجمل وأصح الشعارات ليس لها من الوقع والاحترام عنده كما لها من الأثر عندك، فهو وإن سمعها فلم يتشربها مثلك، ولم يعشها واقعا أو تمثلا يجعلها كافية وحدها، وربما لم يصل إلى قوة اليقين بها لقلة وعيه وزاده، فلا تعامله معاملة المتفلت من طبقتك ورتبتك ..

عليك بالهدوء والعاطفة المنضبطة أثناء التقويم، لكيلا تنفر ظبيا أو تكسر شبلا، فتخسر قلبيهما بدل رعايتهما ليكبرا إن شاء الله ويصيرا كما تحب يوما.

وعليك بتطوير نفسك بنفسك، وتقبل النقد وطلبه! لا احتراف تحويره وتفنيده.

وعليك اختيار الأوليات للطرح، لا اتباع الهبات كيفما اتفق وشاع.. 

لا تقحم المبتدئ في العلم بذكر نتائج نهائية وأوصاف وانطباعات لا يفقهها في مرحلته، وقد لا يتحملها عقله ورصيده من الطمأنينة، بل أعطه المعرفة والميزان، وعلمه المقدمات والأسباب برفق أولا، ثم ارتق معه وبه للاستنباط والمنظار 

 

هذا لا يعني الهدهدة والتربيت بل الحكمة والترتيب!

ولابد من البيان والحقيقة ولكن عليك بإفاقة النائم والمخدر المغيب، وتعليمه فك المغالطات الفكرية والحيل التي غسل بها مخه، وآلية الاستدلال... لكيلا يتحول من تقليد أعمى لمثله.

وما قيمة التنزيل والموقف أليس الرجال أهم من المواقف؟
 

* الأفكار أهم من الأشخاص والأحداث، نعم.. لكن هذا لا يعني الاكتفاء بها كل مرة، فالنزول للواقع وللأحداث والأشخاص هو حياة الفكرة، وهو من أخذ الكتاب بقوة، وهو من الطاعة التي هي تنفيذ المسموع لا تكراره فقط..

 

 إذا فهدم الرمز المجاهر بالخطأ بشكل متكرر أحيانا يكون أمرا حتميا، ولا يعني هذا سوء الأدب أو سوء اختيار المقام والسياق والمحاور ، ولكن بدون كسر الوثن المتبع الملمع لن تحدث هزة ولا صدمة ولا إفاقة ولا تنقية للموارد، ولا يكون هناك تطبيق عملي للفكرة دون تحيز لفاعليتها .. بل تصبح مجرد فلسفة مجمدة. 

 

*مؤيد الفكرة المختلة عادة هو جزء من قوتها وزخمها وصبغتها، وبعض الناس يستسلم لمن يفكر له بشكل يتجاوز التقليد المقبول، ولابد من تطهير شجرة الاختيار أمام الضعفاء للحفاظ على الحد الكافي - على الأقل - من الصواب.
 

تحدث القرآن الكريم عن المفاهيم، ولكنه لم يتركها مجرد مسائل نظرية معلقة، بل ضرب أمثلة سابقة ومعاصرة! للطغاة كفرعون وأبي لهب، واحتك بالوقائع الهامة في وقتها. 

 

فارق بين منهج به خطأ ومنهج به انحراف.. وبين شخص يخطئ وشخص يدعو للمسار الخاطئ، بين تلوث وتسمم... بعض الخطأ قد يغتفر بجانب الصواب، والتنبيه والبيان عامة ليسا من الكماليات عندما تكون الأخطاء خطايا مبررة أو تورث سقطا فقهيا أو عقديا أو حتى استراتيجيا وعمليا ..

هناك أوليات منها حفظ جوهر التوحيد وظاهره وباطنه والكفر بالطواغيت وبأنواع الجاهليات، والشيء عامة يعرف بضده وما ينقضه، ومنها حرمة الدماء والأعراض وحقوق العباد.. وأهمية قيام العدل عموما.. ومنها ركائز الأخلاق والأركان... والطغاة قد يسمحون لبعض المتحدثين بأمور لا تمس اليقظة الحقيقية، أو لا تنزل للواقع في المفاصل ومحاور الارتكاز، بل فيما لا يضيرهم ولا هو الأصل والأساس، والمواءمة معهم قد تؤدي أحيانا لتجفيف العمل الدعوي من جوهره في التغيير الجذري كما يريدون.. فراع مآل ما تفعل وحصاد ما سبق من تأويلات، وتذكر(يسألني عن دم البعوض -هل يفسد الوضوء- وقد قتل ابن بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم )..

   لا يمكن تحويل السابقين والمعاصرين أولي السبق إذا إلى أنبياء، وتحويل اجتهادهم إلى قداسة معصومة، ويجب ألا نختار بين منهج الوصول إلى الحقيقة وبين النتائج، فصحة النهج لها أولية، وتجارب المصلحين وقراءتهم للواقع هي ضبط للحال ومقاربة عقلية للتنزيل، وإلا سنكرر ونجتر الخطأ ونتجمد ونتحج ، ونظل معلقين مغلقين.

 

التقشف ليس دليل صلاح مستقل، فبعض الرهبان من البوذيين والنصارى سابقا كانوا كذلك.. فلا تقل هذا لا يتكسب منهم إذا هو على صواب.. الحق يعرف بذاته وبراهينه وبالعلم والحجة، وعليه نور..

 وأعتذر عن أي استطراد أو جواب، فهذه محض علامات لا مناظرة. 

نسأل الله العفو والعافية والسلامة من الفتن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق