الجزء الثاني
الغرور المعرفي في تحليل التاريخ
أولا
الآيات.. المعجزات والكرامات تحدث، لكن بقدر استثنائي، وإلا ما كانت علامات ثمينة..
العقوبات الوقتية قد تحدث للتأديب، لكن ليس كل حين، ولا من أول مرة دائما.. هي رسائل ونذر وتنبيهات، وليست كلها ارتباطات شرطية...
وكل الأمم لها فرص وأزمان.. وكذلك الأفراد..
والضعيف المجتهد
غير المقصر في الأخذ بالأسباب.
غير الضعيف المهمل المعرض المسوف!
والتأديب لمن ينتسبون فينحرفون ويبدلون أو يحيدون عن الحق
له سماته.
وفي سطوة حضارة ما قد يضغط عليك زخمها
وارتداداته فتنسى أنه لا يلزم أن تنقسم العلوم إلى نكرة ومعرفة.
وهذا واضح من استقراء التاريخ.. لكن بعينين!
أمضيت دهرا أتعلم مع صاحبي عن الآخر، كيف يفهموننا.. وكيف ينظرون إلينا.. وإلام يعزون سقوطنا.. لنضيف لا لنستبدل، وليسهل الحوار مع هذا الآخر.
ثم لقينا زميلا قد تعلم واحدا - فقط- من النماذج التحليلية، ويغتر به!
يا أخي: أقصر..
إذا كان التلفيق في النماذج -والرتق والترقيع والقفز- قد يسري في العلوم الطبيعية البحتة، وقد تكرر في الفيزياء والطب والفلك ونشأة الكون، وكان ينجح نسبيا، ويقدم تفسيرا مقنعا ومرضيا، ثم يتبين أنه قاصر، فكيف بالعلوم الإنسانية ودوران الحياة بأبعادها...
نموذج مضلل يتعامى عن الله تعالى، وعن سننه سبحانه، ويلتف حول كل مشهد تاريخي ليجرده من ربانيته ومن إنسانيته، ويرى كل المسارات بعين مادية فيزيقية بحتة فقط، ويرى أهلها غددا وإفرازات ومعادلات وتشريحا نفسيا لا دينيا، ويتوقع منهم سلوكا معينا ويتجاهل ما لا يروق له.
نعم.. يمكنك أحيانا كتابة تفسير كوني تفصيلي للحدث، لكن تضافر الأسباب وتهيؤ السياق وزوال العراقيل والمفاجآت، وتناسب النهايات.. كل هذا أمر لا يشبه تفسير ارتفاع حرارة الماء في القدر فوق الموقد...
التفسير الإيماني لا يلغي الأسباب المباشرة، ولا يطمس اليقين بالله العلي العظيم، ولا بالمقادير الربانية، ولا يتجاهل الحق ...
فهو لا يعبد العلة الوقتية الظاهرة بل ينبيك بعلة العلة وعمق السبب.. ولا يتغاضى عما لا يراه ولا يسع عاقلا إنكاره مما لا يرى ولا يعلم ومما هو من أمر ربي... وهو ليس بقليل لو أنصفت.
نعم أنت معذور من وجه؛ لأن بعضهم يقدم تفسيرا قاصرا ويسميه رؤية إيمانية للأحداث..
فيضع طرفا واحدا من السنن الكونية التي بثها رب البرية.. وربما مزجه بجهل ببعض ما يتطرق إليه وبانتحال وافتراء خاص به هو ... فيدفعك للطرف الآخر، لكن... أين عقلك.