الجمعة، 16 فبراير 2018

مفهوم العبادة و التقليد و هل اختلاف العلماء رحمة ..


قال تعالى:

وما كان المؤمنون لينفروا كافة، فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون "

مفهوم العبادة ليس ضيقا ولا محصورا في تلقي أمر محدد وتنفيذه..

كل عليه حمل أمانة بقدر مكنته..
بقدر قوته وقدرته وطاقته ومقدراته يكون عليه تكليف ومسؤولية..

وكل له ميدانه! ورزقه
وكل له بابه الذي يدخل منه الجنة! أو أبوابه!
وله شعبته التي يعلو بها من شعب الإيمان...
بعد تحقق معنى شهادته وأصل توحيده واجتنابه للجبت وللطواغيت وكفره بها وبراءته من أوليائها


العبادة ليست فقط بتنفيذ المسموع، بل بتقبل الاختلاف المشروع، بأخلاق وسعة صدر مع النصح والإرشاد بالمعروف.. 
بالحكمة.

العبادة كذلك تكون بإخلاص العبد واجتهاده وتحريه الحق يوميا:
في اختيار الفهم للدليل 
وفي اختيار العالم الذي يتبعه لو أعوزه الدليل أو الترجيح بين الأمور!

باختيار الفهم الذي يرد له في ذهنه من وجهين صحيحين ظاهريا! بين التشدد والتفريط، بين الحيل الفقهية الممنوعة وبين التيسير

فهل تختار الأيسر إلا أنه يحيك في صدرك؟
هل تختار الأحوط إلا أنه ليس أحد الوجهين الجائزين أمام عقلك -تنوعا لا تضادا- في جوهرهما!

الجوهر هو نية الاتباع وهو امتثال القلب الموحد المؤمن المخبت، هو بذل الجهد للتعلم وعدم الإعراض عن العلم فهو عبادة..قدر وسع العقل والنفس والمقام!

الجوهر هو الالتفات للحكم وللقصد في آن واحد!
وهذا هو الفقه الممدوح ومن يرد الله به خيرا يفقهه ويوفقه للتقوى..
وقد عتب النبي صلى الله عليه وسلم على من أفتوا بحسن نية وبغير حكمة والتفتوا لظاهر النص وأمروا صاحبهم أن يغتسل وبه جرح فمات...

الجوهر هو الالتفات لروح الشرع وحكمته التي هي نصوص كلية قطعية أقوى من الجزئيات وقضايا الأعيان.

فإذا عجزت وأنت مقلد فلتنظر لأهل الذكر.. لأولى العلم والنهى والحلم: الذين يستنبطونه...
تختار أحد الشخصين.. إلا أن يحيك في 
في صدرك مواقفه أو اختياره!
فلا تخادع نفسك..

وهنا معنى استفتاء القلب، وإن أفتاك الناس وأفتوك فالإثم ما حاك في صدرك وخشيت أن يطلع عليه الناس...

وحين أوجب النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عند بني قريظة ظاهرا..فهمها بعض الصحابة رضوان الله عليهم بالإسراع والحث على السير لا على ظاهرها..وأقر النبي صلى الله عليه وسلم الفريقين.. في درس للأمة أن تتعايش ..

ما دامت متوحدة على توحيد وراية نبوية ترفرف
فوقها ومرجعية سماوية تجتهد في تحريها..وكما أن الدساتير والقوانين حمالة أوجه! يرجع فيها لفقهائهم الدستوريين ومحاكمهم..فالشرع تعبد بتلمس الشرع..ولا يكابر في هذا منصف..

اختلاف واقرار

هناك كتب كثيرة تعرض لأمثلة من السيرة الشريفة في هذا المجال
منها أعلام الموقعين
وآداب المفتي 
والروضة
والموافقات

نتعبد بأن نختار في كل يوم هداية تفصيلية، ونطلب فرقانا وصراطا مستقيما في كل امتحان قلبي وعقلي..
يظهر لنا شيء مشتبه
شيء جديد

نتعبد بأن نحاول أن نفهم ونسعى ونتعلم ونسدد
ونقارب

وهناك ما سكت عنه الشارع الحكيم بالكلية، لحكمة علية، وأمرنا باستنباطه من أدلة العموم، استنتاجا بالأصول العلمية والمسلمات البدهية وليس بالكشف والباطن والشذوذ اللغوي،

فنتعبد باتباع من وصلهم الدليل ومن يستنبطونه منا إن عجزنا علما أو عقلا أو طاقة وظرفا.
ولنا الخيار!

ونحاسب على الطريقة قبل النتيجة:

قال الطوفي رحمه الله في شرح مختصر الروضة:
"قَوْلُهُ: «فَإِنِ اسْتَوَيَا عِنْدَهُ» ، أَيْ: إِنِ اسْتَوَى الْمُجْتَهِدَانِ عِنْدَ الْمُسْتَفْتِي فِي الْفَضِيلَةِ، وَاخْتَلَفَا عَلَيْهِ فِي الْجَوَابِ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: يَتَّبِعُ «أَيَّهُمَا شَاءَ» مُخَيَّرًا لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ. الثَّانِي: يَأْخُذُ بِأَشَدِّ الْقَوْلَيْنِ، لِأَنَّ «الْحَقَّ ثَقِيلٌ مَرِيٌّ وَالْبَاطِلَ خَفِيفٌ وَبِيٌّ» ، كَمَا يُرْوَى فِي الْأَثَرِ. وَفِي الْحِكْمَةِ: إِذَا تَرَدَّدْتَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ، فَاجْتَنِبْ أَقْرَبَهُمَا مِنْ هَوَاكَ. ..... الثَّالِثُ: يَأْخُذُ بِأَخَفِّ الْقَوْلَيْنِ لِعُمُومِ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّخْفِيفِ فِي الشَّرِيعَةِ، كَقَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}.انتهى

قال بعضهم نأخذ بِقَوْل الأعلم في ذهننا
ونحاسب على تحرينا للأعلم! هل هو تحر عن علم أو هوى أو عجلة وعاطفة أو لامبالاة وعدم اكتراث في التدقيق والتقوى!

"َقَال الْغَزَالِيُّ : يَأْخُذُ بِقَوْل أَفْضَلِهِمْ عِنْدَهُ وَأَغْلَبِهِمْ صَوَابًا فِي قَلْبِهِ "

الشَّاطِبِيُّ "لَيْسَ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يَتَخَيَّرَ فِي الْخِلاَفِ ؛ لأِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنَ الْمُفْتِينَ مُتَّبِعٌ لِدَلِيلٍ عِنْدَهُ يَقْتَضِي ضِدَّ مَا يَقْتَضِيهِ دَلِيل صَاحِبِهِ، فَهُمَا صَاحِبَا دَلِيلَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ . فَاتِّبَاعُ أَحَدِهِمَا بِالْهَوَى اتِّبَاعٌ لِلْهَوَى . فَلَيْسَ إِلاَّ التَّرْجِيحُ بِالأْعْلَمِيَّةِ وَنَحْوِهَا . فَكَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ التَّرْجِيحُ ، أَوِ التَّوَقُّفُ ، فَكَذَلِكَ الْمُقَلِّدُ . وَأَيْضًا فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى تَتَبُّعِ رُخَصِ الْمَذَاهِبِ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ إِلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ "

والله اعلم وصلى الله على النبي الخاتم وسلم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق