وهذا العجز صيروه قمة الهمة والكفاح!، فأحرق العشرات أنفسهم لينالوا نفس الشرف، ونعم... لا نملك سوى الرجاء والأمل كبير في الله تعالى.. وليتهم اقتصروا على الرجاء بالرحمة، والتجاوز- مع إنكار العمل ذاته- والله كريم، لكن قناة الجزيرة أوردت اليوم تصريحا بالخط العريض لأمه: أنا فخورة بما فعل ابني.. في موقعها الإخباري، ولم تكن هناك مهنية في طرح الأمر أبدا لدى أي قناة .. لا من ناحية الكلام ولا التصوير الفني ولا تغطية وجهة النظر الأخرى.. رغم رؤيتهم سلسلة النحر التي جرت..
يعنينا الفعل قبل الفاعل.. والفاعل جزء منا، ونحن أهله، ونرجو له التجاوز، لماذا؟ لأنه فعل جرما قبيحا.... وإلا فلماذا نرجو التجاوز؟ هذا هو الواجب قوله الأن، وحسابه على الله تعالى، وليس لنا ولا عندنا، وكونه قد أغلق تفكيره هذا مرده إلى الله العظيم الكريم، ومن أغلق عقله بغضب أو غيره فهو معفو عنه, وليته يكون كذلك، ولكن لا ينبغي تسويق ذلك الأن... الواقع والعقل والحكمة ضد ذلك
لأننا الأن لسنا قبل البلاء فالمسألة لم تعد تخص البوعزيزي
بل المنتحرين خلفه والذين ينتحرون وأنا أكتب الأن.. وغدا .. إلا أن يشاء الله
فنحن بالنسبة لهم وبالنسبة لدراسة الحالة نحدث من ينوي الانتحار..نعم .. إن الله تعالى كتب علينا بيان الحق وعدم كتمانه.. وأن نخشى على المذنب العقاب، ولا نحكم على مصيره النهائي، وأن نرجو للطائع الثواب، ولا نحكم على مصيره النهائي..
يعنينا المآل لما نقول والنتيجة المترتبة، فأي تقريظ وثناء وتعاطف وتبرير يصب الأن في خانة التحريض على الانتحار..
والخطيئة تفاقمت بعد التركيز على الثناء على المنتحر، وجعله رمزا وشعارا وأيقونة للحرية بصورته محترقا، وتنصيبه شهيدا ونورا للثورة، وشمعة ..، كلها ألفاظ إعلامية سمعتها وقرأتها، ثم ....انتحر ثمانية مصريين تباعا! شموع! وخمسة هددوا بانتحار جماعي!
أمام مكتب رئيسهم في العمل لتلبية كذا وكذا..وانتحر عدد من العرب أشتاتا، ومؤخرا قالت الجزيرة أن عربيا حاول أن يحرق نفسه في محكمة، وءاخر حاول أن يحرق نجليه! كأنما هذه طريقة الاحتجاج الرسمية، أو مقياس التعبير عن الضيق، وتحصيل المكاسب الفردية والأممية والقومية والوطنية، وحرقوا أبدانهم جميعا ذاهبين للانتحار... لا أجد تعبيرا ... "وهناك نصراني في المنتحرين" فهل نحن أمة وثنية لا تؤمن بالله، وليس لديها كتاب يهدي ويحكم تصرفاتها، أو تعبد النار وتلقي نساؤها بأجسادهن فيها خلف جثث أزواجهن في المحرقة كالهنود... وكم قتيلا ومنتحرا سنعد كل يوم؟ وهل سنقابل رسول الله صلى الله عليه وسلم لنجيب عن هذا؟ حتى بعض الليبراليين الذين يستنكرون الإعدام كعقوبة لمن قتل عشرة أنفس لم يستنكروا قتل النفس! بل اعتبروه أرسل رسالة كونية للتحرير العربي ..
فهذه المحرقة الذاتية للأمة كأنما صارت قربى وطاعة إلى الله، يسارع إليها رجال العرب، بدلا من أن تصير معصية كبيرة قبيحة يقترفها مذنب مسيء، يزدري المجتمع فعله..
وهذا جزء منه بسبب هذا التناول الإعلامي في الخرابات الفضائية، حتى التي تدعي الاستقلالية، وحتى بعض المتحدثين الأفاضل لم يقولوا ما جرى عيب، بل اعتذروا، وكأن أي منتحر لن يكون في ظروف طاحنة، وليس هناك شيء اسمه البلاء والابتلاء، وسمعت أقيسة عجيبة جانية، فهل هذه مقارنة وقياس متماثل أم مع الفارق؟ وهل هذه فتيا أو حكم شرعي؟ أم سياسة شرعية؟ هل هذا هو المطلوب الشرعي، والبيان الواجب في مثل حالة الانتحار؟ والأن...! حتى لو تعذر لهذا، فهلا بين الأصل قبل البحث عن مخرج، وهكذا صارت هذه الحالة هي القدوة والأسوة الحسنة، التي بني عليها إزهاق أنفس متتالية يوميا، بحرق نفسها بنار الدنيا في شتى الدول.. وليست القضية في الأنفس التي تحترق فقط، بل في الرب الكريم الذي يعصى يوميا..
فهل الغاية تبرر الوسيلة بإطلاق مطرد، وبلا حدود
هل هذا فقه نوراني أم شيطاني؟
لابد من تدارك هذا الأمر، والأخذ على أيديهم، قبل أن يسخط الله على القائمين والواقعين..
وهذا ليس طلبا لتكريس الواقع المزري وعدم التغيير، لكن الأمم تغيرت وتتغير بطرق كثيرة مشروعة...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق