أما من يختار الأحزان واللطميات ويترك النصح عشقا للأنكاد وخورا ونقضا متكاسلا للعزم فهو مسيء لنفسه وللكون، وغير منتج لصالحها هي ولا لمجتمعه...
لو أصبح الإنسان فريسة للتفكير المستمر في الحزن وأسبابه، والتفحص في كل ما يؤلمه وكل ما ينقصه وكل من فقده وما فاته، وتلهف خلف كل ما يريده وما يرغب فيه لتحول هذا الإنسان إلى كتلة متآكلة وذائبة من نفسه... وإلى بئر سلبي من الوجع والهم والغم..
وهذا الضعف والهوان ضار به هو، ولا يفيده ولا يغنيه ولا يثاب عليه.. لأنه قنوط وتأل وجريمة وإثم.. وليس كالشوكة التي يثاب الموحد عنها، فهو هنا عاقل يؤذي ذاته ويعرض عن الكتاب ويقنط ويتشاءم ويعجز ويلقي بمهجته للتهلكة ..
الأسى المتواصل يشنق فيه ذاته وحيويته وابتسامته ورجاءه وإبداعه، وحالة السوداوية وعدم الرضى تجعله يجتر المزيد من التطلع والسخط واللوم...
من ابتلاءات الحياة وامتحانها الدائم التعايش مع المقادير صبرا أو رضا أو شكرا وعدم الاستسلام للبؤس واليأس ..
ومن محاور الإيمان الصبر.. ومنه حبس النفس وكبحها والتأقلم مع الرغبات وتهذيبها وتقليمها، والتأقلم مع الألم والكبد بالتصبر والتصميم والجلد، وبتوزيع الاهتمامات والنظر في الصورة الكلية والمشهد الكامل زمانا ومكانا وفضاءات وأبعادا، والاعتراف بالواقع والإقرار به كما هو وليس غشا للنفس وللناس، والسعي وعدم ترك العمل الصالح بمفهومه الشامل..
والعجز المنهي عنه هو الانهيار دون رجاء وفأل، ودون عمل قلبي أولا.. حسب القدرة والطاقة والإمكان...
وأعمال القلوب هي التي تقود وتملك اللسان والبدن حسب وسع ابن آدم... ولا يكلفه الله تعالى إلا ما آتاه وقدر وسعه وسعته، والمطلوب منه السعي بما يملك والتسليم لما يصيبه وتصحيح ما أمكنه، وليس مطلوبا منه غير تلك الإيجابية في سياقه هو مهما قلت.. ولو كلمة طيبة ممن عجز عن النفير..... عجزا حقيقيا معتبرا مفعما بالبذل وفيض الأعين.. "ما على المحسنين من سبيل "...
وليس مطلوبا منه عدم الشكاية مطلقا، ولا كتم المصاب دوما وأبدا، ولا نفي الحزن والتأثر.. بل وردت الأدلة والشروح بغير ذلك، ما دام قد قدم الحمد والاستعانة وحفظ حدود الله في شكواه وحزنه... لكن المراد ألا يكون مقصرا في تطهير سلوكه ومنطقه وأوليات اهتمامه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق