الخميس، 25 يوليو 2019

من فقه الدعوة.. مع نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام

لفتة من فقه سيدنا يوسف عليه السلام في الدعوة..
--
لماذا فسر يوسف الصديق الرؤيا لزملائه, وأحسن إليهم قبلها, وصدقهم القول والعشرة, حتى لقبوه بالصديق, وبأنه من المحسنين, ..لم يقل لا شأن لي ..لم يعاملهم بفظاظة...ثم عند الرؤيا الثانية التي رآها الملك تجد أن يوسف عليه السلام فسرها وعبرها وأولها, منقذا للبلد كلها, دون مقابل مسبق، ولم يطلب أجرا, وبذل العلم الذي لديه في الرؤيا دون مقابل, كما قال ابن الجوزي رحمه الله...
ثم بذل العلم بالوصية في حفظ الاقتصاد للبلد كلها, وتخزين القمح كما وكيفا وتدبيرا.. 
ولم يطلب مقابلا, وهي فائدة ومصلحة عامة لغير المسلم..
ولم يتحدث ساعتها عند التأويل الثاني في التوحيد, كما فعل في رؤيا أصحاب السجن,؟
 ثم طلب العمل لدى غير المسلم وأثبت براعته فيه ..لأن المقام
لم يكن هو المناسب للتبليغ للكافة وللملك , وهم لا يعرفون قدره لينتبهوا لكلامه كما عرفه من عاشروه من السجناء ..فانتظر الزخم والأثر والموقف والموقع والتوقيت , وحين ذهب من بعده نبي الله موسى ذهب بمعجزة في يديه والعصا..أما يوسف عليه السلام فقد انتظر تحقق الرؤيا وإثبات براعته, وتوسد مكانته, ونيل قدره, ليكون لكلامه أثره...

*الداعية بين قومه أخلاق كريمة تسير على الأرض, كالنبي صلى الله عليه وسلم، صادق أمين, كما لقبوه،
في تجارته وتعاملاته، ويعين الملهوف ويحمل الكل, ويعين على النوائب كما حكت
عنه السيدة خديجة عليها السلام، ومثل يوسف عليه السلام وصفه رفاقه بالصديق, وبأنه من المحسنين
..يحسن ليكون من المحسنين, ويعلم بالصدق، وبالإتقان والدراية والعلم والخبرة فيما يدعيه..وإلا كان كذوبا خؤونا, أو لا يؤبه له..
فكلمة الطبيب الناجح والتاجر الصدوق والراعي الأمين مسموعة أكثر من كلمة المستهتر..

الداعية لا يقتصر على انتقاد النتائج, بل ينتقد منهج التفكير نفسه,

 وكثيرا ما أثبت القرآن تناقض المخالفين, وعدم التزامهم حتى بمنهجهم ولا بالعقل في أي مثال وتفاصيل
" أفلا تعقلون" ..
فانتقاد الرهبانية والغش فيها وعدم رعايتها حق الرعاية" فما رعوها حق رعايتها" , 
وانتقاد حال مشركي مكة في ادعاء البنات لله تعالى, وأنهم حتى اختاروا ما لا يرضونه لأنفسهم وو.." ولهم ما يشتهون"
  رغم أن ادعاءهم البنين باطل كذلك,

 وانتقاد بني إسرائيل في تطبيق نصوص تحرير أسراهم, وعدم تطبيق نصوص النهي عن إخراجهم أصلا " وهو محرم عليكم إخراجهم, أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض" ,

  ونقطة ثانية أن انتقاد منهج الاستنباط لا يعني تسفيه كل واحد بعينه, وانظر إلى الفخر الذي منحه النبي صلى الله عليه وسلم لأبي سفيان في حياته, بأن من دخل داره فهو آمن, كمن دخل الكعبة , والتكريم الذي منح للمطعم بن عدي بعد موته, رغم كونه مشركا..وهو وفاء وحسن تقدير, وحسن معاملة عظيم...

فمن الحكمة أحيانا كبداية توجيه التحليل إلى منهج التعلم نفسه, وأدوات الفهم, وليس إلى النتائج فقط....  

كتبنا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه, وأنه كان واضحا في دينه, لا غموض ولا مفاجآت, وكل الرسل صلوات الله عليهم ما كانوا يركزون على قضية واحدة, بل كانوا يتحدثون في مضمون يشمله تفسير القرآن, وكل القضايا فيه، يعني في أصل الدين وفي غيره، رغم كونهم يخاطبون مشركين، لكنهم يتكلمون عن كل الدين والدنيا معا، ويتكلمون عن مشكلات قومهم, وهذا هو فقه الدعوة، وحتى مشكلات ومحرمات ومعاصي البيع والشراء, والممارسات التفصيلية للأخطاء, حسب خطأ كل قوم ووو رغم كونهم مشركين أصلا: 
 " ويل للمطففين"....
 " ولا تفسدوا في الأرض" ...
" أتبنون بكل ريع آية تعبثون"... " واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه"..... " كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه"...
" تلك إذا قسمة ضيزى"
.. بشكل لا يخل بالأولويات, ولا يضع الفرع قبل الأصل, ولا يضخمه أكبر من الأصل.. ولهذا فكل نبي يمزج بين دعوته للتوحيد, وبين نقده لمشكلات قومه الخاصة بهم، حتى غير العقدية، والفارق أنه لا يقول لهم ستدخلون الجنة وتصبحون مسلمين حقا لو حللتم هذه فقط وحدها, دون توحيد كامل كذلك، ولا يقول لهم أن الإسلام يعد الناس بالثراء في الدنيا, ولابالرقي والنهضة فورا, بل قد تبتلون، وحواره معهم حلقات متصلة, وتعليقات على حالهم, وهوامش على الواقع, تعطي في مجملها العقيدة الصحيحة والنواقض لها, وتبني التربية القلبية للمسلم، وتعطي كذلك النهضة المادية الصحيحة، وفي ذات الوقت تعطي المنهج البديل للقلة، وحين تتحالف الفئة المؤمنة بالمدينة مع القبائل المشركة فهو لإنقاذ ما يمكن إنقاذه, وتقليل الخسائر والمفاسد , وحين تتحاور فهي تؤصل لتغيير قناعات القوم تدريجيا, ليستمعوا ويفهموا منها, ولتوضيح قدرتها على التغيير والفهم..

" وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل "

..

 الداعية إذا أراد أن يُلَقِنَ أناساً الحق فإنه يجعلهم يثقون به, و يطمئنهم بأنهم قد وقعوا على حفيظ عليم خبير مؤتمن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق