قال لي: سؤالي قديم جديد متكرر ملح.
هل مصيبتي بسببي؟
قلت: ربما.. لكن ليست كل المصائب عقوبات معجلة، وكل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أصيبوا مرات، للابتلاء والأسوة لا للعقاب..
ربما مصابك بعضه بسببك، ولا ينفي ذلك أنه داخل في المجموع الكلي كاختبار، وقد ينقلب حسنات بالتوبة...
وربما أغلبه اختبار لم تتسبب فيه مباشرة ... ابتلاء لتشكر أو تكفر... لتصبر أو تجزع..
هذه دروس من قصص القرآن وأيام الله تعالى:
كل ما يجري لك لا يستحق السخط والقنوط، وليس فلتة، بل هو نصيب مقدر ومكتوب، وهو محفوظ لك قبل أن توضع فيه....
هو رسائل قد لا يسهل عليك فهمها كلها بتفاصيلها- فالإدراك منوط بكشف الحجاب- لكن يسهل عليك فهم غايتها، وفهم واجبك حيالها، وفهم جوابها المطلوب منك لتفلح وتنجح وتنجو!
والجواب هو ما يخصك ويلزمك ويعنيك ويفيدك في المقام الأول.. جوابها إجمالا بالصبر والشكر والتضرع والتسبيح، وتفصيلا بمزيد من كل ذلك حين تعلم بعض ما خفي أو تبشر بما أخفي!
كل حدث خاص أو عام مرتب بعناية، ومقصود منه حكمة وغاية، غاية معلنة في القرآن ومنار العقل الصافي...
كل ما يجري مراد لسبب سابق أو لاحق وليس لعبا، بل كل تطور فيه امتحان للجميع، وفيه خير للمؤمن من كل وجه كان، سراء او ضراء.. وفيه لطف به ومعية لا تتركه.
وفيه لغير المؤمن فرصة أو عوض أو ضربة قارعة، وله مكانه في المسيرة العامة.
القدر المكرم لك قد يبدو غريبا عجيبا ظاهريا، ومؤلما لحظيا! أو لا يظهر أصلا ساعة وقوعه، بل بعد زمان.
خيبة السعي من وجهة نظر الظالم قد لا تحدث مباشرة وبشكل واضح ساعتها، بل قد يصرف عن بغيه ظانا انه يختار، وقد يمهل ليأتيه القسط.. وقد تبغته جائحة أو يتسلط عليه مؤدب... كلها خيارات ثابتة لا تهتز...
والعناية موجودة حولنا ومعنا لا تتخلف، بل اللطف قائم فاعل أمامنا وخلفنا، وموجود بصور مختلفة يعمى عنها الغافلون.
أمانة الاختيار للحق والخير والجمال وللحب الفطري والعدل والإعمار والانتصار للضعيف ... كل هذا وسط حيوية وسعة الحياة الحرة والتدافع أمر يستلزم إمهالا للشر وتمتعا، فكيف يكون قد ظلم الطاغي وافسد إن لم نمكنه قليلا بمعيار الزمان ونستخلفه ليظهر ويؤجل ليستكمل ويستوفي ويمتلئ كيسه ويستهلك فيهلك.
يمنح كل جيل ومجموعة وفرد اختبارا إجباريا ورد فعل اختياريا.... اختبارا بالقوة أو بالضعف، وفرصة للتعفف أو للحيلة والبغي، كل هذا ليظهر عمله عيانا، وليكون رد الفعل من المؤمنين فعلا واقعيا متجسدا.
.... هذا ليتنزل الإيمان وشرف الأمور من عالم النوايا والهمم والمثل ليصير حق يقين وعبرة مادية ونورا لا يضيء فقط بل تراه سراجا ملموسا محسوسا ...
قد يكون هناك سراء لتحقيق الامتحان بالأدب والسمو والطاعة والعفو والتعفف ساعة القدرة!
قد يكون هناك ضراء لتحقيق تأديب وتمحيص وانتقاء واصطفاء، ولاتخاذ شهداء.... ولاختيار أولياء! يعطون فرصة للالتزام بالصبر! الصبر ساعة العسرة والنصب والحبس والمرض والفقد والفاقة والشحناء..
الصبر أطر الذات ضد كل العوائق النفسية والبدنية وفوق كل الرغبات والجواذب والضغوط.
يتحقق الألم ليحق القول على الظالم وترتفع الدعوات فيحصل الصبر حقيقة ويتم وجود الاختبار.
يختلف العقلاءُ أحيانا لاختلاف قلوبهم ومشاربهم ونواياهم وتأثرهم نفسيا بمناهجهم الحياتية وإدراكهم لكم المعرفة وتوظيفه....
كل شيء بقضاء.. حياتك والشأن العام.
الكون مرتب ومصفوف بدقة بالغة وموظف لغاية، والتاريخ تحت سنن إلهية خالدة قاهرة
لا مجال فيما يحدث لك وحولك للمصادفة العمياء العشوائية، ولا مساحة في تدبير الكون للتخبط والتنازع، وإلا اختل النظام كله وفسد، وكل جزء دقيق يؤثر ويتأثر ويعمل في دائرة متسقة متوازنة ودورة متكاملة واحدة....
القرآن الكريم وبعده تأمل وتفكر أولي الألباب في التاريخ والواقع، واستقراء العلماء بحق ذوي القلوب المفتحة غير العمياء وذوي البصائر النجلاء يشهدان بيد القضاء الفاعلة والمقادير المهيمنة...
اللهمَّ صلِّ على محمَّد وعلى آل محمَّد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنَّك حميدٌ مجيد. اللهمَّ بارِك على محمَّد وعلى آل محمَّد، كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنَّك حميدٌ مجيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق