سؤال المصير داخليا
"يا قومَنا إنَّ الفسادَ قدْ غلَبْ ... وخافتِ الأعيانُ سوءَ المنقلبْ..
ومَنْ نشأَ بين الحمير والجلبْ ... كيفَ يكونُ قاضياً على حلبْ.."
تحدثنا يوما عن تفشي ألوان من الشرك- للأسف- بأثواب عصرية براقة، واستشراء بعض الكبائر وألوان الفسوق والفجور
والكذب ..والآن أوان الحديث عما ترتب على رفع الأمانة ..وعما ينبغي على المصلحين الجادين
1-أحيانا يتغلغل الفساد في التكوين فلا يمكن تعديل الوضع حينئذ، وأي ترقيع وهيكلة تعد لهوا ولعبا..
2-هناك رواية غربية تحكي عن سجن كان به فساد شامل، دينيا وإنسانيا وماليا، في كل الأقسام والممارسات-
من يعتبرونهم من الشرفاء وسط هذا القرف كانوا صامتين، كانوا يبتلعون المشاهد ويبررون لذاتهم بأنهم لا يفعلون بأيديهم وأنهم ضعفاء والثمن غال لو تصدوا وتصدروا,..وهم في الحقيقة يشاركون بأبدانهم كلها، بتواجدهم ككتلة صماء، بتكثير السواد وتثبيته وتمتينه وتمكينه بمرور الوقت..
"ستثير الأيام فيها دخانا ** ويزيد الفساد آناً فآنا"
يذكروننا بوزير مصري قال لخاصته إبان عهد ناصر وعامر أن ابنه الملازم يقبض أكثر
منه وهو من هو ..لأنهم يغترفون من المال بلا حساب ويميزون بالتبعية العمياء لا بالعلم ولا بالكفاءة ولا بالبذل والأمانة..
ولكن الرجل سكت ولم يصدع بكلمة حق على الملأ ليرتقي ويؤدي ضريبة النبل والخلود..
فهؤلاء لا يقدمون نماذج مضيئة تبذل وتضحي وتقضي نحبها وتمضي ليحتذي حذوها السالكون..فيزاداد حجم الخلل نظرا لأنه لا يشبع طبعا ولم يجد عراقيل، ولو قضى عليها ..بل كان الجميع مرتعدا....لم يكونوا كالعربي الذي تقول له أمه لا تذهب للقتال لكيلا تموت، فيقول يا أماه لو بقيت لمت كمدا!
لأنه كان حرا شريفا أبيا أنفا كريما عزيزا..
3- وفي ذات الوقت كان هؤلاء الشرفاء الافتراضيون القلائل داخل المؤسسات الموجهة للسرقة والشر.. المدارة للانتفاع الذاتي الشخصي وللإهمال والمجاملات ..الظالم أهلها.. لا يسعون لترك مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتروس ماكينتهم البشعة، ولا كانوا يسعون لترك مخالطة منكرهم، والتطهر بعيدا عن رؤية القذارة ومعاشرتها واجترارها.. ولا كانوا يسعون جديا لتحصيل القوة لإنهاء هذا وفضحه بل كانوا يتخدرون بما لا يجدي من أمور تعد من المسكنات والفولكلور، ويعيشون حياتهم مكتفين منكفئين- وتدريجيا كانت قلوبهم تقسوا ويألفون الفظائع التي يحضرونها أو يعلمون بها، ويعتادونها رويدا رويدا، وتسربت لألسنتهم بعض الألفاظ وتسرب لمنطقهم بعض "التمرير" للحال..وبعض من لوم الطرف الأدنى -
وحين اكتشفت السلطات في هذه الرواية -بكفاح وتضحيات من شرفاء بحق -تم إغلاق المؤسسة كلها- وتم تقسيم العاملين فطرد المدان ووزع غير المدان على سجون بعيدة متفرقة- لم يتم تغيير المدير ولا حتى الموظفين- فالأمر قد تجاوز هذه المرحلة-صار الاسم والشكل واللوائح والمتعاملون والمحيطون والجميع دائرة لزجة من التأقلم مع القاذورات..
"خَيرُ جَليس لَهُم المُغتابُ ... وَالصاحِبُ الأَوفى هُوَ الكَذّابُ..
أَخلاقُهُم تُعدي فَمن لا يَهرُبُ ... يُعدى كَما يُعدى السَليمَ الأَجرَبُ..
مَجالِسٌ جَمَّعَها الفسادُ .... وَعَمَّها الشقاقُ وَالعِنادُ..
جَليسُهُم رَهينُ هَمٍّ ناصِبِ ... فَكَيفَ بِالخَليطِ وَالمُصاحِبِ"
4 - بالمثل ..هناك شركات وكيانات ودول بها منظومات للفساد الشامل، تبدأ من أصغر موظف أو عامل، وتستمر لأعلى رتبة، بل وتشمل مسؤولي الرقابة شبه الخارجية، شبه المستقلة، وتشمل العرف المجتمعي الذي يجامل ويصمت أو يقبض ويسكت أو يتبادل الخدمات ..
وهذه لا تحتاج عقدا اجتماعيا جديدا فقط..ولا يعوزها سلطات طاهرة ورقابة تبادلية ومعايير مكاشفة وشفافية فقط،
5- بل تحتاج كذلك وقبل ذلك إنعاش هذه الرمم "الحية إكلينيكيا!" يحتاج حياة لهؤلاء الموتى،
روحا لقلوبهم التي انتكست وبردت ونامت ليلا تاركة الخراب والأذى والجور والألم والخطأ والخطل يفعل تحت سمعها وبصرها،
تحتاج نورا لظلام صدور هؤلاء..
"لقد قالتْ لنا حلبٌ مقالاً .. وقد عزمَ المشدُّ على الرواحِ..
إذا عمَّ الفسادُ جميعَ وقفي .. فكيفَ أكونُ قابلةَ الصلاحِ.."
تحتاج تغيرا في نظرتها للمعاني ..في نظرتها للقيم والأخلاق والمسؤولية الجماعية ..
في نظرتها لقيمة العقد الاجتماعي أصلا..ولقيمة أي شيء وكل شيء..في فهمها أن هناك شيء اسمه قيمة ومعنى ..
نظرتها لشيء اسمه الدين وللتقوى والضمير مثلا ، ولرضا الإنسان عن نفسه وغايته.. وحديثه مع نفسه..
وهذه التغيرات الجذرية تحتاج تبنيا رسميا عمليا كقدوة وبخطاب تعليمي إعلامي ثقافي وبقوة تحلية وتخلية وبث وحجب
مع حل شامل وهدم لمسجد الضرار وجعله خرابة كما حدث في قصة مسجد الضرار..
فسؤال المصير هو تعديل المسار لا عودته.. تغييره ليصبح تيار تغيير جذري جارف، فليس هناك
نصف شريف ولا يسود متردد أو من شح بالثمن، ولن يبني نصف قادر، ولا تقوم قائمة مؤسسات
بسعاة وشاة وموظفين كالضباع أو كالشياة..
وليس هناك توبة سريعة تجبرنا أن نجعلك فورا قاضي القضاة وحامي الحمى!
دون أن يحسن إسلامك بالممارسة وتعود شهادتك لتقبل بعد إذ كانت مردودة..
"الملحُ يُصلِحُ كُلَّ ما .. يخشى عَلَيهِ من الفَساد...
فَإِذا الفَسادُ جَرى عَلَي .. هِ فحُكمُه حُكمُ الرّماد... "
هذه الماديات تتحول إلى رموز مادية ومعنوية للعهد الجدد..وتأسيس مسجد وديوان جديد
معنى ومبنى وشخوصا..ولا ينفع معه اعتماد أي بنية من داخل المنظومة ولا أي تصور للتغيير من إفرازاتها ولا أي آلية
هي أسيرة المقررات السابقة ..ويرجع للفقرة 4، 5...الحالة العامة والعقدية والأخلاقية أسوأ من الجاهلية الأولى
"متى ترقص النساء من الطي ... ش فأيقن أن الرجال طبول"
والحالة العملية أسوأ من التخلف النمطي..
فلا يمكن اتباع أسلوب أخف من أسلوب اقتلاعها ولفظها وجعلها بكل معاييرها وتبريراتها محل ريبة وشك وتخوف..
"يا قومَنا إنَّ الفسادَ قدْ غلَبْ ... وخافتِ الأعيانُ سوءَ المنقلبْ..
ومَنْ نشأَ بين الحمير والجلبْ ... كيفَ يكونُ قاضياً على حلبْ.."
تحدثنا يوما عن تفشي ألوان من الشرك- للأسف- بأثواب عصرية براقة، واستشراء بعض الكبائر وألوان الفسوق والفجور
والكذب ..والآن أوان الحديث عما ترتب على رفع الأمانة ..وعما ينبغي على المصلحين الجادين
1-أحيانا يتغلغل الفساد في التكوين فلا يمكن تعديل الوضع حينئذ، وأي ترقيع وهيكلة تعد لهوا ولعبا..
2-هناك رواية غربية تحكي عن سجن كان به فساد شامل، دينيا وإنسانيا وماليا، في كل الأقسام والممارسات-
من يعتبرونهم من الشرفاء وسط هذا القرف كانوا صامتين، كانوا يبتلعون المشاهد ويبررون لذاتهم بأنهم لا يفعلون بأيديهم وأنهم ضعفاء والثمن غال لو تصدوا وتصدروا,..وهم في الحقيقة يشاركون بأبدانهم كلها، بتواجدهم ككتلة صماء، بتكثير السواد وتثبيته وتمتينه وتمكينه بمرور الوقت..
"ستثير الأيام فيها دخانا ** ويزيد الفساد آناً فآنا"
يذكروننا بوزير مصري قال لخاصته إبان عهد ناصر وعامر أن ابنه الملازم يقبض أكثر
منه وهو من هو ..لأنهم يغترفون من المال بلا حساب ويميزون بالتبعية العمياء لا بالعلم ولا بالكفاءة ولا بالبذل والأمانة..
ولكن الرجل سكت ولم يصدع بكلمة حق على الملأ ليرتقي ويؤدي ضريبة النبل والخلود..
فهؤلاء لا يقدمون نماذج مضيئة تبذل وتضحي وتقضي نحبها وتمضي ليحتذي حذوها السالكون..فيزاداد حجم الخلل نظرا لأنه لا يشبع طبعا ولم يجد عراقيل، ولو قضى عليها ..بل كان الجميع مرتعدا....لم يكونوا كالعربي الذي تقول له أمه لا تذهب للقتال لكيلا تموت، فيقول يا أماه لو بقيت لمت كمدا!
لأنه كان حرا شريفا أبيا أنفا كريما عزيزا..
3- وفي ذات الوقت كان هؤلاء الشرفاء الافتراضيون القلائل داخل المؤسسات الموجهة للسرقة والشر.. المدارة للانتفاع الذاتي الشخصي وللإهمال والمجاملات ..الظالم أهلها.. لا يسعون لترك مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتروس ماكينتهم البشعة، ولا كانوا يسعون لترك مخالطة منكرهم، والتطهر بعيدا عن رؤية القذارة ومعاشرتها واجترارها.. ولا كانوا يسعون جديا لتحصيل القوة لإنهاء هذا وفضحه بل كانوا يتخدرون بما لا يجدي من أمور تعد من المسكنات والفولكلور، ويعيشون حياتهم مكتفين منكفئين- وتدريجيا كانت قلوبهم تقسوا ويألفون الفظائع التي يحضرونها أو يعلمون بها، ويعتادونها رويدا رويدا، وتسربت لألسنتهم بعض الألفاظ وتسرب لمنطقهم بعض "التمرير" للحال..وبعض من لوم الطرف الأدنى -
وحين اكتشفت السلطات في هذه الرواية -بكفاح وتضحيات من شرفاء بحق -تم إغلاق المؤسسة كلها- وتم تقسيم العاملين فطرد المدان ووزع غير المدان على سجون بعيدة متفرقة- لم يتم تغيير المدير ولا حتى الموظفين- فالأمر قد تجاوز هذه المرحلة-صار الاسم والشكل واللوائح والمتعاملون والمحيطون والجميع دائرة لزجة من التأقلم مع القاذورات..
"خَيرُ جَليس لَهُم المُغتابُ ... وَالصاحِبُ الأَوفى هُوَ الكَذّابُ..
أَخلاقُهُم تُعدي فَمن لا يَهرُبُ ... يُعدى كَما يُعدى السَليمَ الأَجرَبُ..
مَجالِسٌ جَمَّعَها الفسادُ .... وَعَمَّها الشقاقُ وَالعِنادُ..
جَليسُهُم رَهينُ هَمٍّ ناصِبِ ... فَكَيفَ بِالخَليطِ وَالمُصاحِبِ"
4 - بالمثل ..هناك شركات وكيانات ودول بها منظومات للفساد الشامل، تبدأ من أصغر موظف أو عامل، وتستمر لأعلى رتبة، بل وتشمل مسؤولي الرقابة شبه الخارجية، شبه المستقلة، وتشمل العرف المجتمعي الذي يجامل ويصمت أو يقبض ويسكت أو يتبادل الخدمات ..
وهذه لا تحتاج عقدا اجتماعيا جديدا فقط..ولا يعوزها سلطات طاهرة ورقابة تبادلية ومعايير مكاشفة وشفافية فقط،
5- بل تحتاج كذلك وقبل ذلك إنعاش هذه الرمم "الحية إكلينيكيا!" يحتاج حياة لهؤلاء الموتى،
روحا لقلوبهم التي انتكست وبردت ونامت ليلا تاركة الخراب والأذى والجور والألم والخطأ والخطل يفعل تحت سمعها وبصرها،
تحتاج نورا لظلام صدور هؤلاء..
"لقد قالتْ لنا حلبٌ مقالاً .. وقد عزمَ المشدُّ على الرواحِ..
إذا عمَّ الفسادُ جميعَ وقفي .. فكيفَ أكونُ قابلةَ الصلاحِ.."
تحتاج تغيرا في نظرتها للمعاني ..في نظرتها للقيم والأخلاق والمسؤولية الجماعية ..
في نظرتها لقيمة العقد الاجتماعي أصلا..ولقيمة أي شيء وكل شيء..في فهمها أن هناك شيء اسمه قيمة ومعنى ..
نظرتها لشيء اسمه الدين وللتقوى والضمير مثلا ، ولرضا الإنسان عن نفسه وغايته.. وحديثه مع نفسه..
وهذه التغيرات الجذرية تحتاج تبنيا رسميا عمليا كقدوة وبخطاب تعليمي إعلامي ثقافي وبقوة تحلية وتخلية وبث وحجب
مع حل شامل وهدم لمسجد الضرار وجعله خرابة كما حدث في قصة مسجد الضرار..
فسؤال المصير هو تعديل المسار لا عودته.. تغييره ليصبح تيار تغيير جذري جارف، فليس هناك
نصف شريف ولا يسود متردد أو من شح بالثمن، ولن يبني نصف قادر، ولا تقوم قائمة مؤسسات
بسعاة وشاة وموظفين كالضباع أو كالشياة..
وليس هناك توبة سريعة تجبرنا أن نجعلك فورا قاضي القضاة وحامي الحمى!
دون أن يحسن إسلامك بالممارسة وتعود شهادتك لتقبل بعد إذ كانت مردودة..
"الملحُ يُصلِحُ كُلَّ ما .. يخشى عَلَيهِ من الفَساد...
فَإِذا الفَسادُ جَرى عَلَي .. هِ فحُكمُه حُكمُ الرّماد... "
هذه الماديات تتحول إلى رموز مادية ومعنوية للعهد الجدد..وتأسيس مسجد وديوان جديد
معنى ومبنى وشخوصا..ولا ينفع معه اعتماد أي بنية من داخل المنظومة ولا أي تصور للتغيير من إفرازاتها ولا أي آلية
هي أسيرة المقررات السابقة ..ويرجع للفقرة 4، 5...الحالة العامة والعقدية والأخلاقية أسوأ من الجاهلية الأولى
"متى ترقص النساء من الطي ... ش فأيقن أن الرجال طبول"
والحالة العملية أسوأ من التخلف النمطي..
فلا يمكن اتباع أسلوب أخف من أسلوب اقتلاعها ولفظها وجعلها بكل معاييرها وتبريراتها محل ريبة وشك وتخوف..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق