الابتلاء ليس محنة مادية دائما، وليس وجعا ونصبا وجوعا بدنيا فقط، بل هناك ابتلاء معنوي أو شعوري عاطفي كذلك...
ولعل الأحزان بالفراق للوفاة أقل في فتنتها من ضغوط الأحياء القابلة للتجاوب مع الوساوس..
وألوان البلاء كلها اختبارات للصدق، ومعابر لتصفية النفس وتطهيرها… لتحمل المسؤولية والأمانة الكبرى، وكلها مراحل تمحيص وتهذيب، لتجاوز ألم الاختيار الصحيح، والذي يصبح عرضا عابرا زائلا في جنب فيض الإيمان وحقيقته، في مقام المفارقة بين النور والظلمات، والحق والباطل، والصلاح والفساد، والعلم والضلال... ومن لم يقدر على نفسه هنا في مقام المفاصلة والتمايز فأنى له تناول الإيمان كما قالوا..
من أمثلة الابتلاء المعنوي:
عن مصعب بن سعد رضي الله عنه، عن أبيه أنه نزلت فيه آيات من القرآن قال : حلفت أم سعد أن لا تكلمه أبداً حتى يكفر بدينه ، ولا تأكل ولا تشرب ، قالت : زَعمتَ أن الله وصاك بوالديك ، وأنا أمك ، وأنا آمرك بهذا ، قال : مَكَثَتْ ثلاثاً حتى غشي عليها من الجهد ، فقام ابن لها يقال له عمارة ، فسقاها فجعلت تدعو على سعد ، فأنزل الله عز وجل في القرآن هذه الآية :
وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15) ﴾ (لقمان: 14-15).
وانظر التفاصيل في تفسير الطبري : 20 \ 131 : وابن كثير : 3 \ 646 : والسيوطي في الدر : 5 \ 141 ، القرطبي ، أحكام القرآن : 13 \ 228 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق