حين أكتب لك
حين أكتب لك ذكريات سنوات عصيبة أليمة أشعر بالقصور، فقد كنت أحسبني أفهم مذكرات الناس ويومياتهم، ولما عشت ظروفهم فهمت أني لم أفهم!
فهمت أني لم أفهم وصف الناس إلا حين مرت بي أحوالهم، كيف أصف السنين ومر السنين، وأحداث السنين وعسرها، لولا أن الله تعالى يحملنى عليها، ويمضيها خلفي، وإن وصفت فهل ينقل الوصف الحال.. هل ينقل الوصف الإحساس! إن كان هناك سقم هل ستشعر به، هل ستشاطرني إياه.. وإن فرحت في وقت فهل ستشعر بهذاالسرور؟ يصعب أن نكتب إحساس السنين إلا لمن مرت به السنين
اختبارات الحياة طويلة، وأقوى دروسها هو سهولتها بعد مرورها، رغم صعوبتها ساعة هذا المرور،
وسهولة الاختيار رغم جسامته، أن تيسر بتيسير الله لليسرى، للعناء العابر مع الرضا بالاختيار، وليس بالحال"والرضا مرتبة أعلى"، مع الثبات والصبر على الحال، ولا تبالي.. فاليسرى التامة في دار القرار قيد الانتظار
ومن قرأ أن الصبر الجميل لا شكوى معه"وظن البوح شكوى"، والرضا لا تعبيس معه!"وظن كل التعبيس سواء" وتستوي عندك المقادير حسا ومعنى!، وظن معناه أنك لا تحزن، ولا تضيق، ولا تكظم أحيانا فتتعب "أو تعمى! وتبيض عينك"، ولا تسح عينك، ولا تغتم أحيانا فتصمت، ولا تبوح..وأن هذا هو حال الأخيار..لا يخرجون عنه لحال.. فقد خالف قصص الحق في القرءان، وسير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكذلك قصص الصالحين والصحابة عبر الأزمان، فقد كانوا يمرون بكل تلك الأحوال نفسا وبدنا، ويتزودون بمعية الله تعالى، وبالأسباب المشروعة للخروج من تلك الأفكار والمشاعر، التي تضعف فيها النفس أو يقصرالعقل بوسوسة الشيطان
أو يتعب البدن فيثقل الألم..
وكانوا يتعبون ويغضبون ويستغفرون، ويسكنون ويضجرون ويتخاصمون ويتألمون..ويتصالحون ويتصافون ويتوبون...
ومما أثر في كتب السلف
"وعن ابن مسعود قال : : (( إذا كان الشكر قبل الشكوى فليس بشاك )) . .
واحتج احمد بقوله (( بل أنا وارأساه )) .
وشكت عائشة فقالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : وارأساه ، فقال : " بل أنا ، وارأساه "
وقال عبد الله بن الزبير لاسماء - وهي وجعة - كيف تجدينك ؟ قالت : وجعة .
في "الآداب الشرعية والمنح المرعية
محمد بن مفلح بن محمد المقدسي"
وقال الشيخ مجد الدين في شرح الهداية ولا بأس أن يخبر بما يجده من ألم ووجع لغرض صحيح ، لا لقصد الشكوى . واحتج أحمد بقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لما قالت : { وارأساه . قال : بل أنا وارأساه } [ ص: 183 ]
واحتج ابن المبارك بقول ابن مسعود للنبي صلى الله عليه وسلم { إنك لتوعك وعكا شديدا ، فقال أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم } متفق عليه وقال ابن عقيل في الفنون قوله تعالى : { لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا } .
يدل على جواز الاستراحة إلى نوع من الشكوى عند إمساس البلوى ونظيره { يا أسفى على يوسف } { مسني الضر } { ما زالت أكلة خيبر تعاودني } انتهى كلام ابن عقيل .
وقال رجل للإمام أحمد : كيف تجدك يا أبا عبد الله ؟ قال : بخير في عافية ، فقال : حممت البارحة قال إذا قلت لك : أنا في عافية فحسبك لا تخرجني إلى ما أكره ، قال ابن الجوزي : إذا كانت المصيبة مما يمكن كتمانها فكتمانها من أعمال الله الخفية .
وذكر الشيخ تقي الدين بن تيمية ما ذكر غيره من أن الصبر واجب قال : والصبر لا تنافيه الشكوى وقال في مسألة العبودية : والصبر الجميل صبر بغير شكوى إلى المخلوق .
وقال ابن الجوزي في قوله تعالى { يا أسفى على يوسف } . [ ص: 184 ]
فإن قيل : هذا لفظ الشكوى فأين الصبر ؟ فالجواب من وجهين أحدهما : أنه شكا إلى الله لا منه والثاني : أنه أراد به الدعاء فالمعنى يا رب ارحم أسفي على يوسف وقال : قال ابن الأنباري : والحزن ونفور النفوس من المكروه والبلاء لا عيب فيه ، ولا مأثم إذا لم ينطق اللسان بكلام مؤثم ولم يشك من ربه . فلما كان قوله يا أسفى شكوى إلى ربه ، كان غير ملوم.
حين أكتب لك ذكريات سنوات عصيبة أليمة أشعر بالقصور، فقد كنت أحسبني أفهم مذكرات الناس ويومياتهم، ولما عشت ظروفهم فهمت أني لم أفهم!
فهمت أني لم أفهم وصف الناس إلا حين مرت بي أحوالهم، كيف أصف السنين ومر السنين، وأحداث السنين وعسرها، لولا أن الله تعالى يحملنى عليها، ويمضيها خلفي، وإن وصفت فهل ينقل الوصف الحال.. هل ينقل الوصف الإحساس! إن كان هناك سقم هل ستشعر به، هل ستشاطرني إياه.. وإن فرحت في وقت فهل ستشعر بهذاالسرور؟ يصعب أن نكتب إحساس السنين إلا لمن مرت به السنين
اختبارات الحياة طويلة، وأقوى دروسها هو سهولتها بعد مرورها، رغم صعوبتها ساعة هذا المرور،
وسهولة الاختيار رغم جسامته، أن تيسر بتيسير الله لليسرى، للعناء العابر مع الرضا بالاختيار، وليس بالحال"والرضا مرتبة أعلى"، مع الثبات والصبر على الحال، ولا تبالي.. فاليسرى التامة في دار القرار قيد الانتظار
ومن قرأ أن الصبر الجميل لا شكوى معه"وظن البوح شكوى"، والرضا لا تعبيس معه!"وظن كل التعبيس سواء" وتستوي عندك المقادير حسا ومعنى!، وظن معناه أنك لا تحزن، ولا تضيق، ولا تكظم أحيانا فتتعب "أو تعمى! وتبيض عينك"، ولا تسح عينك، ولا تغتم أحيانا فتصمت، ولا تبوح..وأن هذا هو حال الأخيار..لا يخرجون عنه لحال.. فقد خالف قصص الحق في القرءان، وسير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكذلك قصص الصالحين والصحابة عبر الأزمان، فقد كانوا يمرون بكل تلك الأحوال نفسا وبدنا، ويتزودون بمعية الله تعالى، وبالأسباب المشروعة للخروج من تلك الأفكار والمشاعر، التي تضعف فيها النفس أو يقصرالعقل بوسوسة الشيطان
أو يتعب البدن فيثقل الألم..
وكانوا يتعبون ويغضبون ويستغفرون، ويسكنون ويضجرون ويتخاصمون ويتألمون..ويتصالحون ويتصافون ويتوبون...
ومما أثر في كتب السلف
"وعن ابن مسعود قال : : (( إذا كان الشكر قبل الشكوى فليس بشاك )) . .
واحتج احمد بقوله (( بل أنا وارأساه )) .
وشكت عائشة فقالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : وارأساه ، فقال : " بل أنا ، وارأساه "
وقال عبد الله بن الزبير لاسماء - وهي وجعة - كيف تجدينك ؟ قالت : وجعة .
في "الآداب الشرعية والمنح المرعية
محمد بن مفلح بن محمد المقدسي"
وقال الشيخ مجد الدين في شرح الهداية ولا بأس أن يخبر بما يجده من ألم ووجع لغرض صحيح ، لا لقصد الشكوى . واحتج أحمد بقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لما قالت : { وارأساه . قال : بل أنا وارأساه } [ ص: 183 ]
واحتج ابن المبارك بقول ابن مسعود للنبي صلى الله عليه وسلم { إنك لتوعك وعكا شديدا ، فقال أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم } متفق عليه وقال ابن عقيل في الفنون قوله تعالى : { لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا } .
يدل على جواز الاستراحة إلى نوع من الشكوى عند إمساس البلوى ونظيره { يا أسفى على يوسف } { مسني الضر } { ما زالت أكلة خيبر تعاودني } انتهى كلام ابن عقيل .
وقال رجل للإمام أحمد : كيف تجدك يا أبا عبد الله ؟ قال : بخير في عافية ، فقال : حممت البارحة قال إذا قلت لك : أنا في عافية فحسبك لا تخرجني إلى ما أكره ، قال ابن الجوزي : إذا كانت المصيبة مما يمكن كتمانها فكتمانها من أعمال الله الخفية .
وذكر الشيخ تقي الدين بن تيمية ما ذكر غيره من أن الصبر واجب قال : والصبر لا تنافيه الشكوى وقال في مسألة العبودية : والصبر الجميل صبر بغير شكوى إلى المخلوق .
وقال ابن الجوزي في قوله تعالى { يا أسفى على يوسف } . [ ص: 184 ]
فإن قيل : هذا لفظ الشكوى فأين الصبر ؟ فالجواب من وجهين أحدهما : أنه شكا إلى الله لا منه والثاني : أنه أراد به الدعاء فالمعنى يا رب ارحم أسفي على يوسف وقال : قال ابن الأنباري : والحزن ونفور النفوس من المكروه والبلاء لا عيب فيه ، ولا مأثم إذا لم ينطق اللسان بكلام مؤثم ولم يشك من ربه . فلما كان قوله يا أسفى شكوى إلى ربه ، كان غير ملوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق