السبت، 11 مايو 2024

عبرة التاريخ.. قصة وسنة لا تتبدل

لما كانت الكتابة يدوية كان لكل نسخة لمسة إنسانية وصبغة شخصية تعبر عن  روح الخطاط وظروفه، وفي نهاية الكتابة يضع هذا الناسخ سطر تمام من عنده، كخاتمة تنفيذية للنقل وللإبرازة، شيء يشبه تنهيدة شرح الصدر بالفراغ بعد زمن من الكتابة يوميا، ومن المقابلة على الأصل، والتعلم، وربما التوجع والتأمل وهو يخط بهدوء، وتعتبر خاتمة الخطاط توثيقا للتسجيل، وتوقيعا معنويا كاشفا أو بصمة مجتمعية، وهي دوما جديرة بالنظر، لأنها قد تستدعي خواطر شريفة، وهي تخبر عن حاله الروحي والعلمي، فبعضهم كتب الكتاب كله لنفسه، وربما تخبر أوجاعه عن حال بلاده من منظوره ساعتها، وترسم لك دورة الزمان، وكيف تبدل، ولماذا نجح هذا ودالت دولة ذاك، ومن كان متفائلا عاملا حديد النظر ومن الذي انكفأ ، وقد رأيت في بعضها نظرا واعتبارا، وأحيانا شيئا رحمانيا من الذكر العطر وجمال الصلاة والسلام على رسول الله صلي الله عليه وسلم، وفكرا لعله يشحذ القريحة. وبعضهم كان يئن من تفشي بؤر ومراكز الضلالة، حتى كتب حرفيا كأن البلد واد من أودية جهنم، ينادي فيه مروج كل ضلالة على بضاعته. والآن ذهبوا إلى منافي التاريخ، وقد مضت سنة المقادير، فذهبت الرغوة وزبد البحر وتلاشى الغثاء والكذب والتصنع والسطحية، وصارت النفقات المسممة حسرات على غارميها، وصبر الموفقون، وتقدم من رفعوا البيرق خفاقا ككل مرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق