-1-
هذه بضع فقرات تربوية، تفيد في فهم طبيعة النفس،
بعيدا عن النظريات الإلحادية والشركية، وعن أوهام الجبر التام,
سواء ضلالات الجبر بالجينات أو بغيرها من فرضيات المهووسين، الذين يتجاهلون طبيعة الابتلاء
بالرغبة والرهبة، الداخلية والخارجية، ووجوب مكابدته، وفرديته، وكون الأجر
على قدر المشقة المعنوية والمادية:
المصدر كتاب الله تعالى وتفسير: الظلال باختصار خفيف:
-1-
" قال تعالى:
{ ونفس وما سواها . فألهما فجورها وتقواها . قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها } . .
وقال عز من قائل:
{ وهديناه النجدين }
وقال جل شأنه:
{ إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً }
تمثل قاعدة النظرية النفسية للإسلام . .
وهي مرتبطة ومكملة للآيات التي تشير إلى ازدواج طبيعة الإنسان ،
{ إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين . فإذا سويته
ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين }
كما أنها مرتبطة ومكملة للآيات التي تقرر التبعة الفردية:
كقوله تعالى في سورة المدثر:
{ كل نفس بما كسبت رهينة }
والآيات التي تقرر أن الله يرتب تصرفه بالإنسان على واقع هذا الإنسان،
كقوله تعالى في سورة الرعد:
{ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم }
ومن خلال هذه الآيات وأمثالها تبرز لنا نظرة الإسلام إلى الإنسان بكل معالمها . ."
-2-
"إن هذا الكائن مخلوق مزدوج الطبيعة، مزدوج الاستعداد، مزدوج الاتجاه،
مزود باستعدادات متساوية للخير والشر، والهدى والضلال.
فهو قادر على التمييز بين ما هو خير وما هو شر.
كما أنه قادر على توجيه نفسه إلى الخير وإلى الشر سواء.
وأن هذه القدرة كامنة في كيانه،
يعبرعنها القرآن بالإلهام تارة:
{ ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها } . .
ويعبر عنها بالهداية تارة :
{ فهديناه النجدين }
فهي كامنة في صميمه في صورة استعداد . .
والرسالات والتوجيهات والعوامل الخارجية إنما توقظ هذه الاستعدادات
وتشحذها وتوجهها هنا أو هناك . ولكنها لا تخلقها خلقاً . لأنها مخلوقة فطرة ، وكائنة طبعاً ،
وكامنة إلهاماً ."
-3-
" { قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها } . .
هنالك إذن تبعة مترتبة على منح الإنسان هذه القوة الواعية
القادرة على الاختيار والتوجيه.
توجيه الاستعدادات الفطرية القابلة للنمو
في حقل الخير وفي حقل الشر سواء .
فهي حرية تقابلها تبعة، وقدرة يقابلها تكليف، ومنحة يقابلها واجب . .
ورحمة من الله بالإنسان لم يدعه لاستعداد فطرته الإلهامي،
ولا للقوة الواعية المالكة للتصرف، فأعانه بالرسالات التي تضع له الموازين
الثابتة الدقيقة، وتكشف له عن موحيات الإيمان،
ودلائل الهدى في نفسه وفي الآفاق من حوله ، وتجلو عنه غواشي الهوى
فيبصر الحق في صورته الصحيحة . .
وبذلك يتضح له الطريق وضوحاً كاشفاً لا غبش فيه ولا شبهة
فتتصرف القوة الواعية حينئذ عن بصيرة وإدراك لحقيقة
الاتجاه الذي تختاره وتسير فيه
وهذه في جملتها هي مشيئة الله بالإنسان.
وكل ما يتم في دائرتها فهو محقق لمشيئة الله وقدره العام ."
-4-
هذه النظرة المجملة إلى أقصى حد تنبثق منها جملة حقائق ذات قيمة في التوجيه التربوي:
فهي أولاً ترتفع بقيمة هذا الكائن الإنساني، حين تجعله أهلاً لاحتمال تبعة اتجاهه،
وتمنحه حرية الاختيار ( في إطار المشيئة الإلهية التي شاءت له هذه الحرية فيما يختار )
فالحرية والتبعة يضعان هذا الكائن في مكان كريم،
ويقرران له في هذا الوجود منزلة عالية تليق بالخليقة
التي نفخ الله فيها من روحه وسواها بيده ، وفضلها على كثير من العالمين .
وهي ثانياً تلقي على هذا الكائن تبعة مصيره،
وتجعل أمره بين يديه ( في إطار المشيئة الكبرى كما أسلفنا )
فتثير في حسه كل مشاعر اليقظة والتحرج والتقوى..
وهو يعلم أن قدر الله فيه يتحقق من خلال تصرفه هو بنفسه:
{ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم }
وهي تبعة ثقيلة لا يغفل صاحبها ولا يغفو!
وهي ثالثاً تشعر هذا الإنسان بالحاجة الدائمة للرجوع
إلى الموازين الإلهية الثابتة،
ليظل على يقين أن هواه لم يخدعه، ولم يضلله، كي لا يقوده الهوى
إلى المهلكة، ولا يحق عليه قدر الله فيمن يجعل إلهه هواه.
وبذلك يظل قريباً من الله، يهتدي بهديه، ويستضيء بالنور
الذي أمده به في متاهات الطريق!
-5-
"بعد ذلك يعرض نموذجاً من نماذج الخيبة التي ينتهي إليها من يدسي نفسه،
فيحجبها عن الهدى ويدنسها.
ممثلاً هذا النموذج فيما أصاب ثمود من غضب ونكال وهلاك:
{ كذبت ثمود بطغواها . إذ انبعث أشقاها .
فقال لهم رسول الله : ناقة الله وسقياها .
فكذبوه فعقروها . فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها . ولا يخاف عقباها } . .
والذي عقرها هو هذا الأشقى.
ولكنهم جميعاً حملوا التبعة وعُدوا أنهم عقروها،
لأنهم لم يضربوا على يده ، بل استحسنوا فعلته .
وهذا مبدأ من مبادئ الإسلام الرئيسية في التكافل في التبعة الاجتماعية في الحياة الدنيا .
لا يتعارض مع التبعة الفردية في الجزاء الأخروي
حيث لا تزر وازرة وزر أخرى .
على أنه من الوزر إهمال التناصح والتكافل
والحض على البر والأخذ على يد البغي والشر ."
-6-
"{ ولا يخاف عقباها } . .
سبحانه وتعالى . . ومن ذا يخاف؟ وماذا يخاف؟ وأنى يخاف؟
إنما يراد من هذا التعبير لازمه المفهوم منه.
فالذي لا يخاف عاقبة ما يفعل، يبلغ غاية البطش حين يبطش.
وكذلك بطش الله كان : إن بطش ربك لشديد. فهو إيقاع يراد إيحاؤه وظله في النفوس . .
...
وتلك سنة الله في أخذ المكذبين والطغاة،
في حدود التقدير الحكيم الذي يجعل لكل شيء أجلاً ، ولكل حادث موعداً ، ولكل أمر غاية ،
ولكل قدر حكمة ، وهو رب النفس والكون والقدر جميعاً . ."
المصدر كتاب الله تعالى وتفسير: الظلال، باختصار
هذه بضع فقرات تربوية، تفيد في فهم طبيعة النفس،
بعيدا عن النظريات الإلحادية والشركية، وعن أوهام الجبر التام,
سواء ضلالات الجبر بالجينات أو بغيرها من فرضيات المهووسين، الذين يتجاهلون طبيعة الابتلاء
بالرغبة والرهبة، الداخلية والخارجية، ووجوب مكابدته، وفرديته، وكون الأجر
على قدر المشقة المعنوية والمادية:
المصدر كتاب الله تعالى وتفسير: الظلال باختصار خفيف:
-1-
" قال تعالى:
{ ونفس وما سواها . فألهما فجورها وتقواها . قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها } . .
وقال عز من قائل:
{ وهديناه النجدين }
وقال جل شأنه:
{ إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً }
تمثل قاعدة النظرية النفسية للإسلام . .
وهي مرتبطة ومكملة للآيات التي تشير إلى ازدواج طبيعة الإنسان ،
{ إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين . فإذا سويته
ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين }
كما أنها مرتبطة ومكملة للآيات التي تقرر التبعة الفردية:
كقوله تعالى في سورة المدثر:
{ كل نفس بما كسبت رهينة }
والآيات التي تقرر أن الله يرتب تصرفه بالإنسان على واقع هذا الإنسان،
كقوله تعالى في سورة الرعد:
{ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم }
ومن خلال هذه الآيات وأمثالها تبرز لنا نظرة الإسلام إلى الإنسان بكل معالمها . ."
-2-
"إن هذا الكائن مخلوق مزدوج الطبيعة، مزدوج الاستعداد، مزدوج الاتجاه،
مزود باستعدادات متساوية للخير والشر، والهدى والضلال.
فهو قادر على التمييز بين ما هو خير وما هو شر.
كما أنه قادر على توجيه نفسه إلى الخير وإلى الشر سواء.
وأن هذه القدرة كامنة في كيانه،
يعبرعنها القرآن بالإلهام تارة:
{ ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها } . .
ويعبر عنها بالهداية تارة :
{ فهديناه النجدين }
فهي كامنة في صميمه في صورة استعداد . .
والرسالات والتوجيهات والعوامل الخارجية إنما توقظ هذه الاستعدادات
وتشحذها وتوجهها هنا أو هناك . ولكنها لا تخلقها خلقاً . لأنها مخلوقة فطرة ، وكائنة طبعاً ،
وكامنة إلهاماً ."
-3-
" { قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها } . .
هنالك إذن تبعة مترتبة على منح الإنسان هذه القوة الواعية
القادرة على الاختيار والتوجيه.
توجيه الاستعدادات الفطرية القابلة للنمو
في حقل الخير وفي حقل الشر سواء .
فهي حرية تقابلها تبعة، وقدرة يقابلها تكليف، ومنحة يقابلها واجب . .
ورحمة من الله بالإنسان لم يدعه لاستعداد فطرته الإلهامي،
ولا للقوة الواعية المالكة للتصرف، فأعانه بالرسالات التي تضع له الموازين
الثابتة الدقيقة، وتكشف له عن موحيات الإيمان،
ودلائل الهدى في نفسه وفي الآفاق من حوله ، وتجلو عنه غواشي الهوى
فيبصر الحق في صورته الصحيحة . .
وبذلك يتضح له الطريق وضوحاً كاشفاً لا غبش فيه ولا شبهة
فتتصرف القوة الواعية حينئذ عن بصيرة وإدراك لحقيقة
الاتجاه الذي تختاره وتسير فيه
وهذه في جملتها هي مشيئة الله بالإنسان.
وكل ما يتم في دائرتها فهو محقق لمشيئة الله وقدره العام ."
-4-
هذه النظرة المجملة إلى أقصى حد تنبثق منها جملة حقائق ذات قيمة في التوجيه التربوي:
فهي أولاً ترتفع بقيمة هذا الكائن الإنساني، حين تجعله أهلاً لاحتمال تبعة اتجاهه،
وتمنحه حرية الاختيار ( في إطار المشيئة الإلهية التي شاءت له هذه الحرية فيما يختار )
فالحرية والتبعة يضعان هذا الكائن في مكان كريم،
ويقرران له في هذا الوجود منزلة عالية تليق بالخليقة
التي نفخ الله فيها من روحه وسواها بيده ، وفضلها على كثير من العالمين .
وهي ثانياً تلقي على هذا الكائن تبعة مصيره،
وتجعل أمره بين يديه ( في إطار المشيئة الكبرى كما أسلفنا )
فتثير في حسه كل مشاعر اليقظة والتحرج والتقوى..
وهو يعلم أن قدر الله فيه يتحقق من خلال تصرفه هو بنفسه:
{ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم }
وهي تبعة ثقيلة لا يغفل صاحبها ولا يغفو!
وهي ثالثاً تشعر هذا الإنسان بالحاجة الدائمة للرجوع
إلى الموازين الإلهية الثابتة،
ليظل على يقين أن هواه لم يخدعه، ولم يضلله، كي لا يقوده الهوى
إلى المهلكة، ولا يحق عليه قدر الله فيمن يجعل إلهه هواه.
وبذلك يظل قريباً من الله، يهتدي بهديه، ويستضيء بالنور
الذي أمده به في متاهات الطريق!
-5-
"بعد ذلك يعرض نموذجاً من نماذج الخيبة التي ينتهي إليها من يدسي نفسه،
فيحجبها عن الهدى ويدنسها.
ممثلاً هذا النموذج فيما أصاب ثمود من غضب ونكال وهلاك:
{ كذبت ثمود بطغواها . إذ انبعث أشقاها .
فقال لهم رسول الله : ناقة الله وسقياها .
فكذبوه فعقروها . فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها . ولا يخاف عقباها } . .
والذي عقرها هو هذا الأشقى.
ولكنهم جميعاً حملوا التبعة وعُدوا أنهم عقروها،
لأنهم لم يضربوا على يده ، بل استحسنوا فعلته .
وهذا مبدأ من مبادئ الإسلام الرئيسية في التكافل في التبعة الاجتماعية في الحياة الدنيا .
لا يتعارض مع التبعة الفردية في الجزاء الأخروي
حيث لا تزر وازرة وزر أخرى .
على أنه من الوزر إهمال التناصح والتكافل
والحض على البر والأخذ على يد البغي والشر ."
-6-
"{ ولا يخاف عقباها } . .
سبحانه وتعالى . . ومن ذا يخاف؟ وماذا يخاف؟ وأنى يخاف؟
إنما يراد من هذا التعبير لازمه المفهوم منه.
فالذي لا يخاف عاقبة ما يفعل، يبلغ غاية البطش حين يبطش.
وكذلك بطش الله كان : إن بطش ربك لشديد. فهو إيقاع يراد إيحاؤه وظله في النفوس . .
...
وتلك سنة الله في أخذ المكذبين والطغاة،
في حدود التقدير الحكيم الذي يجعل لكل شيء أجلاً ، ولكل حادث موعداً ، ولكل أمر غاية ،
ولكل قدر حكمة ، وهو رب النفس والكون والقدر جميعاً . ."
المصدر كتاب الله تعالى وتفسير: الظلال، باختصار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق