في مثل هذا الوقت المبارك خرج النبي صلى الله عليه وسلم لفتح مكة ..وذكر ابن إسحاق أنَّ الخروج قد كان لعشْرٍ مَضَيْنَ من شهر رمضان، وكان النبي صلى الله عليه وسلم صائما في أول الأمر ثم نزلوا منزلا في وسط الطريق، فقال لهم الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم)) وبعدها لما صار بينهم وبين مكة مسافة تقطع في ليلة واحدة قال لهم: ((إنكم مصبحو عدوِّكم، والفطر أقوى لكم فأفطروا))..ففي المرة الثانية كان يوجب عليهم ويلزمهم الفطر طاعة لله كما أن الصوم في محله ووقته طاعة لله تعالى فعزم عليهم ليتقووا ...
وعند (الجحفة وهي قرب مدينة رابغ اليوم ) وجد النبي صلى الله عليه وسلم عمه العباس بن عبدالمطلب خارجا ذاهبا للمدينة إليه معلنًا إسلامَه ومهاجِرًا بعياله، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم ذاهبا لفتح مكة فرجع معه....
.......................
تعلم وتدبر واستنبط العبر
مرة ثانية: في مثل هذه الأيام من رمضان- وقبيل يوم العاشر:
وجدت عند فتح مكة موقفين للنبي صلى الله عليه وسلم رواهما أهل السير والمغازي، وشدني الدرس فيهما
الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خشي أن تكون لسعد رضي الله عنه صولة وحدة زائدة في الفتك نظرا لكلمة قالها سعد " اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الكعبة" وقد كان غضبه لله وبغضه فيهم لله ولما فعلوه، ولم يعاتبه بشكل شخصي لتحمسه الذي أرعب أبا سفيان بأكثر من تكذيب توقعه كما قال ابن حجر رضي الله عنه، وأخذ الراية من يده!، وهو سيد مرضي عظيم القدر في قومه، وأعطاها لابنه، واسمه قيس، فبهذا لم يعط فرصة للشيطان ليوغر صدر قومه أو صدره، فالراية نزعت من سعد ليد قيس بن سعد..
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ردا على كلمة سعد رضي الله عنه : اليوم يوم المرحمة اليوم تعز الكعبة اليوم تكسى الكعبة! ...وهذا بيان عظيم وعلاج فوري حكيم...
وفي ذات الوقت مع كل هذا الكمال والرفق بالبلد والعفو عن القوم الذين قتلوا وعذبوا المسلمين وباعوا دروهم من بعدهم، لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم مترددا في حسم أي بادرة انفلات، بل كان بأبي هو وأمي قائدا بحق، وحاسما بحق وقت اللزوم،
فحين حاول بعض الأوباش ألا يلتزموا بالاتفاق "فلم يدخلوا المسجد آمنين أو يبقوا في دورهم آمنين أو في دار أبي سفيان آمنين " ووقفوا في جهة معينة -الخندم-بجوار أحد الطرقات وقتلوا اثنين من جيش النبي صلى الله عليه وسلم، وحاربوا الجزء الذي به سيدنا خالد رضي الله عنه، فعندما وصل خبرهم للنبي صلى الله عليه وسلم قال "احصدوهم حصدا... إلى أخر ما قال صلى الله عليه وسلم "
فهذا حسم لا يدع مجالا للتردد ، ثم جاء أبو سفيان بعدها فقال يا رسول الله أبيحت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أغلق بابه فهو آمن... وانسحب الأوباش بعضهم إلى تلال وجبال قريبة ليستكمل المحاربة، وبعضهم لبيته، ونادى الناس بعضهم انزلوا وسلموا سلاحكم وعودوا لبيوتكم فكان، وشعورهم بعدم جدوى فعلهم وبحزم المعالجة لأمرهم قبل أن يستفحل واضح بلا شك .... وهو موقف استثنائي في ركن بسيط من مكة أما سائر القبائل والأحياء والعقلاء والسادة فلم يشتبكوا...
وقد كان فتح مكة عظيما رحيما جليلا، فكان بدون تقسيم لدورها ولا غنائم من أهلها ... ولهذا اختلفوا هل هو صلح محض، أم هو من على أهلها رغم التناوش الذي حدث، وكلاهما مشروع...
ودخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متواضعا ساجدا، بلا هيلمان وبلا ذاتية، بل لم يركب وحده كالملوك، فكان يركب خلفه أسامة بن زيد رضي الله عنه، وهذا تواضع الفاتحين بحق، الذين يتيهون وسط الريش والعظمة والاستغناء، ولا يختارون دوابا مميزة ومطهمة بالذهب، بل هم ربانيون مستخلفون وليس أباطرة ولا كياسرة...
..فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة على ناقته يقرأ سورة (الفتح) ويردد فيها!
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق