وجدت هذه الرسالة القديمة التي كانت
مكتوبة لمريض بالاكتئاب، ثم مبتلى بالإدمان، ثم عافاه الله تعالى
بعد محاولات متكررة للعلاج..
وقد زارني مبتسما ومبتهجا بعد أشهر ليؤكد صموده وعدم عودته..
وكان هذا ديدني مع مرضاي الذين اعتبرتهم إخوتي:
لعلها تفيد كاتبا وقارئا ومبلغا:
* المشاعر ليست قفصا إجباريا، بل هي مسألة إرادية في جزء معتبر منها،
وإذا وجهتها توجهت، وإذا استسلمت لها تلاعبت بك وأقعدتك ..
* قال الله تعالى لك
(فما وهنوا ..)
(ما ضعفوا..)
(ما استكانوا..)
*يعني لا تيأس
ولا ينبغي أن تنهار
لا أقول لك أن تتبلد، لكن الحزن لا يعني التمادي في البؤس
ولا يعني الاستسلام للألم وللتحطم المعنوي
أو للتآكل الذاتي والذوبان ..
هذا اكتئاب وقنوط وخور وعجز وذبول، وهو قتل للنفس، وهو من الشيطان ..
*استعن بالله...مقلب القلوب ومصرفها...
وحتى الطبائع تتغير، فالطبع لا يغلب
التطبع في كل مرة كما يقولون..
وكون الناس معادن معناه تمايزهم في الهمم وطلب الشرف والصلاحيات، وليس انعدام
اختيارهم وأهليتهم، فقاوم النوازع النفسية وكافح النزغ الشيطاني، و"كل ميسر لما خلق له.."
و(لا يظلم ربك أحدا) .....و(من يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم )...
*لا تيأس فمستقبلات الأمور في نفسك تتبدل بما يفوق الخيال.. وفي الحديث الشريف
"إنما الحلم بالتحلم..ومن يتحر الخير
يعطه..."
فلا تقلق، وفي كل الأحوال أجرك على الله ومددك عنده وزادك منه.
ورسائل البشر والألطاف لا يحرم منها ربك محتاجا من المخلصين وحاشاه
أن يخذل صادقا منيبا...
*كما أن الصبر لا يعني التسليم للخطأ والخلل أو الامتثال للمكروه والمذلة دون محاولة مستمرة
لتغييرالواقع أو البعد عنه،
فالرجاء والأمل لا يعنيان التعلق المبالغ فيه
بشيء واحد
بصيغة محددة في وقت معين
وجعل هذا المطلب وهذا الشيء هو المحبوب المطلوب من كل وجه!
هذا لله تعالى فقط ولرضوان الله تعالى فقط وإلا فهو شرك أو سبيل للشرك..
*اعرف ربك واعرف كم يحبك وهو الودود: أي الحبيب
"وهو الغفور الودود"
وهذا سبيل العلم والتزود منه، فمن عرف حرص، ومن حرص
رزق الحياء والتقوى ..
واعمل لتنال حبه سبحانه، فهذا خير ما نويت وما سعيت إليه،
وخير ما انشغلت به... "واسجد واقترب"
*لا يعني هذا ألا تتمتع
بالمباح،
ولا يعني هذا ألا ترتقي! لتتمتع بالحلال الكثير..
ترتقي بعقلك ونفسك وذوقك وعلمك وقوتك المادية لتتمتع بما لا تتمكن منه
أو لتتمتع بما لا تحس به وهو ممكن كائن..
ترتقي معنويا وماديا..
لكن هذا يعني ألا يكون شغلك الشاغل التمتع
بالزينة والطيبات، فيصبح لهوا مطغيا وإسرافا على النفس وتبذيرا
في الرزق بالوقت والطاقة والمقدرات
* اعرف سبب وجودك على هذا الكوكب المسخر المهيأ لك ولأمثالك..
هذا العالم الممتلئ بالمعجزات والعبر والآيات والحجج والبراهين
والرسائل والنذر ....هذا الكون الذي لا يخلوا مقامه أبدا من اللطف الخفي والجلي
لمن كان له قلب أو ألقى السمع حاضرا..
أما من أتبع نفسه هواها وأوبقها فلن يرى بعينيه النور نورا...
* واجه الحياة صابرا صلبا
فهي مجرد طريق وليست مستقرا ولا مقاما
ومعلوم أنك وأنت مسافر..
-وأنت سائر وقد ضمن لك الله الوصول-
فإن أي مشقة في الطريق فهي مجرد متاعب الرحلة!
..أشواك عابرة زائلة مؤقتة...
مجرد معاناة محدودة
أوجاع ..نعم لكنها لا تستحق الالتفات العميق العظيم كأنها
محور الكون، ولا تستحق تبديد النفس
ولا تستأهل الحسرة الكبرى..
ولا التفجع والجزع والعجز
ولا تستحق الاستغراق والتنغيص
هي جناح بعوضة
أزماتها أذى..
محدودة زمانا ومكانا وسياقا
*أمامك الآخرة عوض عن كل شيء إذا كنت موفقا
* وأنت مسافر بالطائرة يوما أو بعض يوم أو
" إن لبثتم إلا قليلا"
لا تفكر ساعتها في ضيق
المقعد داخل الطائرة وسخافة الجار والمضيف
والجو المحيط..إلا بقدر محدود جدا..لأنك مشتاق
لبيتك ولمحل أحبابك، وتضع مكان الوصول أمام عينيك
وتهيء ملبسك ونفسك للقاء..
فأنت في وسيلة تنقل هي بدنك المؤقت
وداخل ممر ومزرعة وليست هذه الصفة محل حصاد زمانا ولا مكانا
* أنت داخل مختبر للابتلاء بالخير والشر، ولأداء الأمانة وتحمل غصة الصبر عن مطاوعة
النفس في الطمع والزلل والكسل واليأس والبطر،
محل للحياة المفعمة،
للإعمار والغرس والبث والدفع والقطع والوصل والقص ...
بنية الخير ولأجل الخير في المآل والعاقبة..
*والبلاء ليس شرا مطلقا
لكن الفشل فيه قد يؤدي فعلا للندم والعذاب المقيم
*ليس المطلوب ألا تتعثر أبدا ولعله ليس ممكنا لك..فلا تحاسب
نفسك حسابا نهائيا على كل عثرة فتتلفك الهواجس والوساوس..
لكن المطلوب أن تتوب إذا زللت في كل مرة، وأن تحاول ألا تتعثر!
تحاول .. وأن تنهض من كل عثرة
بلا قنوط..
*من العقل أن تنظر لمن أنت ملكه وألا تكابر،
لأنك في النهاية راجع طوعا أو كرها،
فإن رجعت طوعا فقد أوتيت وعدا ممن لا يخلف وعده
سبحانه وتعالى.. وعدا حسنا.
وعلى الله قصد السبيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق