قال تعالى:
{ ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين }
كانت هذه الموعظة بالمبادرة كفيلة بنجاتهم لو أنهم تشجعوا وامتثلوا
وإيَّاك جَزعًا لا يَهُولُكَ أمرُهَا ... فَمَا نَالَهَا إلا الشُّجاعُ المُقّارعُ!
"أما هؤلاء فماتوا جميعاً في التيه،
وبقي أبناؤهم، فامتثل الأبناء أمرالله عز وجل، وهبطوا للشام فقاتلوا الجبارين ثم عادوا إلى البيت المقدّس."
فلماذا عوقبوا هذه العقوبة العجيبة بالتيه ولم يعاقبوا بأي أذى آخر!
لأن مخالفتهم عجيبة! فكيف تقرون لنبيكم وتردون عليه أمره!
قالوا:
{إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ }
فعاقبهم بالتيه أربعين سنة..
وهو تيه عجيب فهم لا يمشون بعيدا يمينا وشمالا
ولا يصلون للقطب الشمالي أو الجنوبي
بل يدورون حول أنفسهم في بقعة ضيقة في تخبط وحيرة وضياع
يذكرنا بالتلاطم بين المناهج والبرامج والحلول واللف والدوران
.
قوم عوقبوا لتناقضهم وجبنهم وكسلهم وعدم تحملهم مسؤولياتهم فهاهم
"يتيهون في مقدار خمسة فراسخ أو ستة!"
ظلموا أنفسهم: حيث أوقعوها في البلاء والمحنة، التي هي العقوبة وليست هي التضحية.
"فوقعوا في التيه بين مصر والشام
فكانوا يمشون النهار فيبيتون حيث أصبحوا!
يمشون الليل فيصبحون حيث أمسوا!"
"وظلوا كذلك بعد أن وقعت نفوسهم في شبكة الحظوظ والشهوات،
وربطت بعقال الأسباب والعادات!"
وهذه عاقبة من اهتم بالبدن وترك النفس والقلب أن يهذبهما بالبذل والشجاعة والطاعة والصبر:
أَتُكَمِّلُ الفَانِي وَتَتْرُك باقياً ... هَمَلاً ، وأَنت بأمرِه لم تحفلِ؟
فالجسمُ للنفس النفيسةِ آلةٌ ... ما لَمْ تُحَصِّلْه بها لم يحْصُلِ
يَفْنَى ، وتَبقى دائماً في غِبْطةٍ ... أو شِقْوةٍ وندامة لا تنْجَلِي
أعْطِيتَ جِسْمَكَ خادماً فخدمْتَه ... أَتُمَلِّكُ المفضولَ رِقَّ الأفضلِ؟
شَرَكٌ كثيفٌ أنتَ في أحْبَالِهِ ... مَا دام يُمكنك الخَلاصَ فَعَجِّلِ
مَنْ يستطيعُ بلوغَ أَعْلَى مَنزلٍ ... ما بالَهُ يرضَى بأدنَى مَنْزِل!
"الامتحان في الدنيا يكون بالقواطع والعلائق"
أي بما يمنعك ويقطعك ويعيقك من صعوبات
أو بما يجذبك ويشدك من مغريات ورغبات وكسل وراحة
فهناك ينقسم الناس
من يعتصم بالله
"ومن يتيه في مهامه شكوكه وأوهامه!".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق