شكوى الضيق وشكوى الملل أحيانا تكونان بحق، وأحيانا هما وجهان لعملة واحدة زائفة
أحيانا يظلم ابن آدم نفسه بالشكوى مما ينبغي الرضا به
بالضجر مما يجب التسليم عنده
بل ويؤذي نفسه بالتبرم مما ينبغي احترامه أحيانا
لا يكون الإنسان محقا في توجعه وتألمه إلا إذا كان محقا في فهمه ومحقا في تصوره
فالألم المعكر لصفو العمر ليس وجعا نبيلا، ولا هذا هو المراد من الابتلاء
هذا الوجع المذيب للذات شر ينبغي التعوذ منه وتركه بالأمر, بتصحيح الفكرة ومن ثم يصح الشعور
لأن الاكتئاب مانع من إعمار الأرض بالإيجابية، تلك التي تغرس الفسائل لآخر لحظة، وتضيء قدر الوسع، ولو في أضيق نطاق
ولو بالإيجابية المعنوية، التي تحيا بالأمل والرجاء والصبر الجميل والثبات واليقين والامتثال وتقدم مثال التسليم والاحتساب ورمز الصمود، بدل أن تذبل باليأس والتشاؤم والجبرية السوداوية
والحزن المرير المانع من العبودية
ليس وجعا نبيلا
بل هو تحزين الشيطان المضيع للطاقة؛ بالتوهم وفساد التصور...
والمضيع للعقل المرهق للنفس، بالافتعال والإغراق والقنوط والاكتئاب، وهو خطأ ينبغي تصحيحه، لا التعاطف معه ولا الرثاء له
وهذا حين يقطع نفسه ابن آدم وجعا من طبائع الأمور، أو يزعج قلبه في طلبه للمستحيل؛ هذه هي الدنيا، وهذا طبعها وخلقها، وهذا توزيع الاختبارات والمقادير فيها
لا تعترف بالحاجة وهي كمال وليست ضرورة ملحة، ولا تقر للملل وأنت بلا هدف ولا رسالة، ولا تعرف طبيعة الرحلة التي نحن فيها وحتمية السنن والقوانين فيها..
فإن لم تفعل فلا تجزع من الملل أو من الضيق، فهما ابناك وما قدمت يداك، وسيزيدان كالشارب من ماء البحر والغارق في الرمال المتحركة..
فلا ترهق نفسك إذا بطلب التجديد والتغيير في الظروف، أو التغيير في القلب وشرح الصدر للدنيا المغلفة بالدين، أو النجاة من الملل
فمهما تغيرت الأحوال والأوقات فمشكلتك فيك وداؤك منك، ودواؤك بين يديك؛ بأن تصلح أدواتك الإدراكية، وتصحح تعريفاتك وتسمياتك، فتتقبل وترضى وتحاول التغيير بحب مؤمن لا باستماتة ملحد،
ومن ثم تشكر وتصبر
وهذا من مقتضيات معنى أن تؤمن بالله حقا، بأن تتدبر القرآن وتسلم وجهك لله رب العالمين، وتحسن في فعلك وقولك وموقفك وتركك!، وتعطي وتتقي، وتصدق بالحسنى...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق